أصيبت دول ومناطق شتى في شرق العالم وغربه بإنفلونزا الطيور منذ فترة، لكن يبدو أن الدول العربية أصيبت مؤخراً بداء آخر لا يقل خطورة عن مرض الإنفلونزا حيث: التأثير ومعدل انتشار العدوى، وهو انتشار الجماعات والحركات والتنظيمات الدينية المتشددة. أكبر مشكلة يمكن أن تواجهها الـ22 دولة عربية والخمسون دولة إسلامية في الوقت الحاضر ومستقبلا هو ترك الساحة للتنظيمات والجماعات التي تحاول لعب دور أكبر من الدولة وانتزاع الكثير من السلطات، والأمر بدأ يظهر فعلاً على أرض الواقع؛ فقد بدأت حالة من انتعاش الحركات المعارضة للحكومات تسود جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي حتى وصلت حالات القتل والتفجير لتصبح أمراً شبه عادي ولا يتوقف الكثيرون عندها. لا يوجد مجتمع في العالم بدون هفوات نتيجة لدورة الحياة إلا أنه لما تتحول تلك الهفوات، نتيجة انشغال مؤسسات الدولة واستغلال البعض له، لأن تكون شبه عادية ولزمن طويل وبصورة متكررة أعتقد حينها أن الأمر يحتاج تدخلا لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها الحقيقية في المجتمع وما عدا ذلك يكون مستقبل الشعب في هذه الدول هو الضحية الأولى. ظهور الجماعات والتنظيمات بالطريقة الحاصلة اليوم يلقي بظلال قاتمة على مجمل الأوضاع في المجتمعات العربية والإسلامية، فهذا المكان الذي تلعب هذه الحركات دوراً فيه فضلا عن تأثيرات مختلفة في المشهد السياسي والاجتماعي وكأن هذه المجتمعات تدار من قبل الحركات وليس من الدول. فعندما يتحول الشيء غير الطبيعي ليصبح معتاداً ومُشاهداً بصفة يومية، فإن ذلك يدعو إلى طرح التساؤلات والاستغراب بل ويعيد إلى ذاكرتنا العديد من المشاهد الدموية بين الدولة وهذه الحركات. وعندما يتحول غير المنطقي نمطاً سلوكياً فقد يتحول إلى كارثة لأن هذه الحركات لا تعترف بلغة الحوار بل إنه عندما لا تدرك الحكومات حقيقة التحول الذي يحصل منذ فترة على مرأى ومسمع من الجميع فذلك تأكيد على أن المجتمع بكل شرائحه مغيب نتيجة التلاعب بالألفاظ أو استغلال الدين. أبرز حدث لافت خلال الأيام الماضية أن قوة الجماعات والتنظيمات السياسية ذات المرجعية الدينية عموماً ازدادت لتصبح قوة موازية وموازنة لقوة الدولة في العالم الإسلامي تحديداً بعد أن كانت محظورة ومتراجعة في السنوات الماضية، فأصبح لها تأثيرها على المجتمع سواء عن طريق عمليات التفجير والقتل أو من ناحية إصدار الفتوى لما لا يستسيغون، ليناقض أحدهم ما يقوله الأول أو ينتقده، أو إنشاء تنظيمات وأحزاب لها انتماءاتها وحساباتها الخارجية... حتى بدأت المجتمعات تحسب لها حساباً. اليوم نرى أن التنظيمات والجماعات المختلفة هي التي تفرض سيطرتها على الدولة، مثل لبنان وفلسطين والعراق... ويكون الأمر منطقياً أن تجد فتوى ضد أفراد من المجتمع لأنهم يخالفون الآخرين وتمر دون وقفة من الدولة، وتجد أطفالاً يتم تدريبهم على حمل السلاح (فتيان الجنة' في العراق) ولا أحد يوضح مدى خطورة الأمر، وتجد البعض يقوم باختطاف السياح وتهديد أمن المواطن باعتبار ذلك شيئاً معتاداً. صعود هذه الجماعات في نظر الكثيرين يرجع إلى غياب دور المؤسسات الدينية الرسمية أو تخليها عن دورها، وهنا تكون الحاجة مطلوبة للاستنفار لأن سكوت المؤسسات الرسمية المطبق سيؤدي إلى مشاكل كثيرة. كما أن استمرار اتساع مساحة السماح للحركات والتنظيمات بلعب ذلك الدور في المجتمع سيعيد تشكيل مجتمعات تفقد فيها الدولة سيطرتها بشكل كامل، وتجربة لبنان والصومال وأفغانستان خير شاهد، والأهم من هذا أن السكوت على هذا الاتساع يعطي انطباعاً لدى الكثيرين باللامبالاة التي تؤدي في النهاية إلى اللانتماء للدولة. العودة إلى سيطرة الدولة عن طريق القضاء على التنظيمات والحركات الخارجة عن القانون عادة يحتاج إلى مشروعات وطنية للارتقاء بثقافة الفرد وهذا يحتاج إلى أن تلعب المؤسسات الرسمية وخاصة الدينية دورها في مواجهة هذه الحركات أو الأفراد ممن يطلقون التصريحات وأولها تلك الفتاوى التي تخرج من البعض يهدرون فيها دماً أو يحذرون من شريحة مجتمعية لأنه الأساس الأول للانتماء للدولة وحب الوطن.