كتبت كثيراً ما فحواه أن الديمقراطية في الكويت تمر بمحولات خطيرة وكبيرة، وهي تحولات تعبر عن تغير في التركيبة الاجتماعية بهذا البلد، وبمراكز القوى التقليدية وببيت الحكم. ولهذه الأسباب مجتمعة، نجد أنفسنا نخرج من أزمة وندخل في أخرى، ولن ينتهي مسلسل الأزمات إذا لم تتحمل كل القوى مسؤوليتها التاريخية تجاه ما يحدث في مرحلة مهمة بتاريخ الكويت. دور الانعقاد سيبدأ في غضون أيام، وستحدث مواجهات جديدة، وربما ندخل بأزمة خانقة ونخرج منها بحل للمجلس، أو بالحكومة. وفي كلتا الحالتين، الأزمة الحقيقية لم نقترب منها. الحقيقة المرة أن ما يحدث للكويت هو بكل تأكيد تعطيل لمسيرة الدولة وسندفع جميعاً الثمن غالياً. وهذا لا يعني أن نرمي بالديمقراطية ونستبدلها بنظام جديد، حيث الدلائل التاريخية علمتنا أن الأوضاع ستزداد سوءا، والصراعات في الحكم لن تنتهي بتعطيل المسيرة الديمقراطية، وهذا يعني أنه ليس أمامنا إلا المكاشفة لتشخيص المسيرة ومعرفة العثرات التي أعاقت الطريق، وهي عثرات كثيرة، تتحمل جميع الأطراف المسؤولية عنها. هناك أمثلة كثيرة أمامنا ويجب التعلم منها، ولا يجب التعالي عما يحدث، حيث سياسة اللامبالاة، لن تجلب إلا المزيد من التعطيل للكويت، وتوسع المسافة بين أبناء الوطن الواحد. مجلس الأمة تم اختراقه، وأصبح لدينا أعضاء همهم هو مصلحتهم أو مصلحة تنظيمهم ليس أكثر من ذلك، ودون الخوض في تفاصيل قد تُفهم بشكل خاطئ ، ولكن هناك حقائق دامغة تؤكد ما نشير إليه. ولكي نفهم بشكل واضح، فنحن نتحدث عن أعضاء من مختلف الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية حيث مصالحهم استوجبت موقفهم. الحكومة متعثرة لأسباب عديدة، أبرزها صراع الأقطاب في الحكم ، وتشتت صناعة القرار، ما أفقد الحكومة الأخذ بزمام المبادرة. الحكومة لو أرادت أن تخطو نحو الإصلاح، فهي في أحسن ظروفها من حيث علاقتها بالمجلس، لكون القوى التقليدية لم تعد قادرة على ممارسة دورها التاريخي، كما كانت في السابق. إضافة إلى أن هناك الكثير من القضايا تستطيع الحكومة أن تجد لها حلولا عاجلة كالصحة والتعليم وتشريعات عديدة من الممكن تعديلها دون معارضة المجلس، ولكن النية غير صالحة، ولا نعتقد بما تردده الحكومة بأن المجلس هو العثرة في طريق الإصلاح. أما القوى السياسية، فهي مُساءلة عما آلت إليه الأوضاع كلها دون استثناء، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها، وتمارس النقد لمسيرتها، وإنْ كنا نؤمن بأن فيها من لا فائدة من استمراره في العمل السياسي. النخبة لها دور، ونعتقد بأن على من يعمل دون تنسيق أن يدرك أن هذه المرحلة بحاجة إلى اتفاق على الحدود الدنيا، ولتخرج قوى جديدة لعلها تساعد في انتشال الكويت من مرحلة الجمود. ثمة مأزق حقيقي تعيشه الدولة ويقابله تهاون غير منطقي من صانعي القرار وحالة من اللامبالاة تقترب من المرض النفسي، حيث تجمد الإحساس، وغاب العقل في مواجهة المستجدات في المشهد الكويتي. قد يكون من العقل الدعوة إلى لقاء وطني، يضم كل الشرائح وبالخصوص بيت الحكم لمناقشة حالة الجمود والتعثر، التي تعيشها البلاد والوصول إلى رؤية مشتركة للخروج منها. الديمقراطية يجب ألا تتحول إلى عائق نحو التطوير، وليس عيباً أن نكتشف عثراتنا ونحاول أن نقيم تجربتنا، ولكن العيب في استمرار حالة الانقطاع والتواصل والإصرار على المضي قدماً على طريق القطيعة. التحولات التي تعيشها المنطقة كبيرة، ويُفترض أن نتعايش معها ونتعلم من دروس الماضي، فما حل بنا في تسعينيات القرن المنصرم، قد يعود لنا بأشكال أخرى، ومن ثم نجد أنفسنا أمام أوضاع مستعصية، ولا نجد من يقف معنا كما حدث في السابق.