أوضحت وزارة الخارجية البحرينية في بيان صدر عنها منذ أيام أن المقترح الذي قدمه وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بإنشاء منظمة إقليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما فيها الدول العربية وإيران وتركيا وإسرائيل "لا يعني التطبيع". وكان الوزير البحريني قد دعا في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك نهاية سبتمبر الماضي إلى إيجاد هذه المنظمة لحل مشاكل المنطقة وإخراجها من دوامة عدم الاستقرار التي تمر بها منذ سنوات. الأمر الذي أغضب بعض العرب الذين ما يزالون يرفضون أية رؤية جديدة للصراع الدائر في المنطقة منذ عقود ويخونون ويهاجمون كل من يحاول أن يبحث عن مخرج للوضع في المنطقة، وهؤلاء هم الحالمون "بالثورة العربية الجديدة" والحالمون بمعركتهم الكبرى مع إسرائيل، وهم ما يزالون موجودين بيننا ولا يمكن إنكارهم. لكن الحقيقة الجديدة والمهمة والتي لا يمكن أن ننكرها أيضاً، هي أن هناك جيلاً من العرب صار يقبل بإسرائيل ويتقبل وجودها باعتبارها حقيقة على أرض الواقع، وهذه الفئة لا يمكن تجاهلها، لأنها مؤثرة بشكل أو بآخر... فليس كل العرب ضد إسرائيل، وليسوا جميعاً يريدون "إلقاءها في البحر"... إذا كانت المنظمة التي تضم إسرائيل إلى جانب الدول العربية وإيران وتركيا لا تعني حصول تطبيع مع إسرائيل، فبلا شك أنها تعني شيئاً أكثر من التطبيع، فهذه شراكة وتعاون حقيقي في مختلف المجالات، وهو ما يعني تجاوز التطبيع بمراحل كثيرة... ولا أعتقد أن هناك أي مبرر للقول بأن الدعوة لم تكن تعني التطبيع، لأنه عندما تنشأ هذه المنظمة، لن يجلس أعضاؤها على الطاولة المستديرة، وكل يحمل في يده سلاحه ليوجهه ضد الآخر أو يخبئ في جيبه مسدسه ليستخدمه عند حدوث أية مفاجأة غير متوقعة؟.. بل سيكون المشاركون قبل جلوسهم على طاولة الاجتماع قد تبادلوا الابتسامات والكلام والقبلات أيضاً، وبعد انتهاء الاجتماع سيلتقطون صورة تذكارية تجمعهم وهم يبتسمون. بطريقة ما يُذكرنا هذا الطرح بموضوع الشرق الأوسط الكبير، الذي سبق وروجت له إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس... هذه الفكرة التي قتلت نفسها بنفسها، لأنها لم تقم على أي أساس واقعي، ورفضتها كل الأطراف المعنية في ذلك الوقت، كما رفضتها هذه المرة. فقد علق وزير خارجية إيران على المبادرة البحرينية بقوله إن "هذا الاقتراح غير قابل للتنفيذ".. كما أن الإسرائيليين لا يعلقون على مثل هذه الاقتراحات لأنها لا تتوافق وأهواءهم وأهدافهم ولا يصرحون برفضهم حتى لا يظهروا أمام العالم، وكأنهم لا يفضلون الأفكار التي تقربهم من دول المنطقة، وما يؤكد أن إسرائيل دولة انعزالية. في يوم من الأيام سيُطبّع العرب مع إسرائيل "رسمياً" فالعلاقات الثنائية "الخفية" والتطبيع الدبلوماسي الذي يجمع بين بعض الدول وإسرائيل سيجد له مبرراً للإعلان والجهر به في يوم قد لا يكون بعيداً... وحديث التطبيع والسلام يبقى حديثاً مطلوباً وملحاً والعرب ليست لديهم مشكلة في التطبيع لا شعبياً ولا رسمياً ـ قد تكون هناك فئة ترفض السلام لأنها تعلم أن إسرائيل ليست دولة سلام ـ أما إذا أثبتت إسرائيل أنها تريد السلام فبلا شك أنها ستجد السلام. مشكلة إسرائيل أنها لا تقبل أن تعيش بين دول شرق أوسطية، لأن نظرتها المتعالية تجعلها ترى نفسها أفضل من هذه الدول وتعتبر نفسها من دول العالم الأول. أما أعضاء هذه المنظمة المقترحة فأغلبها دول عالم ثالث ومتخلفة. وإسرائيل لا تريد أن تكون معها في منظمة تحت سقف واحد. والسؤال المهم في هذا الموضوع هو هل هذا هو وقت التطبيع؟ وهل يكفي أن يطلب العرب التطبيع أم أن هناك طرفا آخر مهم هو إسرائيل التي يجب أن تقتنع بالتطبيع وبالسلام؟ عندما نفكر في التطبيع مع إسرائيل يجب أن لا نحرق المراحل، فقبل التطبيع وقبل السلام، يجب أن تثبت إسرائيل أنها تريد أن تكون جزءاً من المنطقة، وتقبل بأن لا تكون عنصر تهديد وقلق لدول المنطقة، وأن تتوقف عن جرائمها ضد الفلسطينيين، وذلك ليس أن تتوقف شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين، فهي مطالبة بأن تثبت حسن نيتها وتؤكد بأنها توقفت عن انتهاج الفكر الدموي ضد الفلسطينيين... أعتقد أنه يمكن للعرب أن يحصلوا على تطبيع منطقي وحقيقي لو أنهم عملوا عليه من اليوم، ليتحقق بعد عشر سنوات على الأقل خلالها تثبت إسرائيل أنها جزء من المنطقة، وتوقف كل جرائمها ضد الفلسطينيين، لتؤكد للجيل الجديد أن هناك فرصاً للتعايش السلمي معها. خطورة المنظمة التي اقترحها وزير خارجية البحرين ليس في أنها ستؤدي إلى التطبيع مع إسرائيل، وإنما في أنها ستزيد التشرذم العربي وتقطع العلاقات العربية نهائياً.. ولا يخفى على الوزير الأطماع الإيرانية في المنطقة، كما لا يخفى عليه أن إيران بمفردها وتركيا بمفردها وإسرائيل بمفردها أقوى من العرب وجامعتهم وأن أية منظمة تضم هذه الدول ستفرق العرب أكثر وأكثر وستجعل القوى الجديدة تستقطب إليها بعض الدول فبدل أن تكون منظمة الدول العربية فيها الأقوى أو كل دولة عربية لها قوتها سنكتشف أننا أمام تحد جديد وتشرذم عربي كبير لا يمكن الخلاص منه أبدا... ولا نستبعد "داحس والغبراء جديدة" أو "بسوس أخرى". مشكلة العرب أنهم إلى اليوم لا يعرفون هل يتكلمون ككيان موحد أم تتكلم كل دولة عن نفسها وبنفسها ولنفسها... والحقيقة أن هذه الازدواجية في المبدأ، تُسبب ازدواجية في المواقف وفي كل شيء! فإذا ما نشأت مثل هذه المنظمة هل ستجلس الدول العربية على الطاولة المستديرة، لتمثل كل دولة نفسها أم أنها ستتكلم ككتلة عربية أمام إيران وتركيا وإسرائيل؟... وهل ستقبل الأخرى بذلك؟ أخيراً لكي يتقدم العرب خطوة إلى الأمام سواء في هذه القضية أو غيرها، يجب أن يعملوا على إنهاء التناقض العربي، فقد وصل العرب إلى حالة من الخلاف والاختلاف يجعلهم لا تجمعهم غير اللغة العربية، أما أفكارهم وسياساتهم واقتصادهم ـ بل حتى مصالحهم ـ صارت مختلفة، وفي بعض الأحيان متضاربة... يجب أن نعيش الواقع دون أن نخدع أنفسنا.