تمكّن الأميركيون من إنقاذ أنفسهم في خضم الأزمة العالمية لسوق البورصة بسبب الأموال الهائلة التي يمتلكونها، معاضدة بالأموال الأوروبية ذات الاقتصاد القوي، لكن ماذا ستفعل الدول العربية الفقيرة لمواجهة هذه المشكلة بما تملكه من موارد مالية محدودة؟ خاصة مع تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة حالياً، إضافة إلى نظام تعليمي سيئ وبُنية تحية متآكلة، وتضخم سكاني عشوائي، وانعدام تام للخطط التنموية. وإذا كان بإمكان الأميركيين الاعتماد على مؤسساتهم الوطنية وقدراتهم الإنتاجية الهائلة ونظامهم التعليمي المرن، فضلاً عن قدراتهم الهائلة في التوفير فيما لو فاز المرشح "الديمقراطي" في الانتخابات الأميركية حيث ستوضع المصلحة الأميركية الداخلية في المقام الأول على حساب المساعدات الاقتصادية الخارجية، فإن العرب على الجانب المظلم من كل الجوانب الاقتصادية والإنتاجية وقلة الحيلة. وفي ظل هذه المشاكل الاقتصادية، هل ستلجأ الدول العربية ذات الاقتصاد الضعيف إلى تصدير أزماتها المالية والسكانية إلى الدول الخليجية؟ مما لا خلاف فيه أن العالم العربي ما كان له أن يستمر بالحياة بصورة شبه طبيعية بدون الأموال الخليجية من الكويت والسعودية ودولة الإمارات. فالتحويلات المالية هائلة، وتعتاش عليها الدول العربية، كما تعيش عليها العائلة العربية، وأنه لولا الأموال الخليجية لتضاعفت الأزمات العربية عما هي عليه الآن. وإذا ما تركنا خرافة النفط العربي، لأنه نفط أهل الخليج، فإن الدول الخليجية ليست مُلزمة بحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية ذات الاقتصاد الضعيف نتيجة نظام تعليمي سيئ ووفرة سكانية عشوائية وحركة إنتاجية ضعيفة لا تكاد تفي باحتياجات المجتمع. ومما لاشك فيه أن هذه الدول ترى في الأموال الخليجية التي تضاعفت مئات المرّات في الفترة الأخيرة، حقاً مزعوماً بضرورة إعادة توزيعه على الدول العربية. وهنا يجب على الأنظمة الخليجية أن تفكر وتقف طويلاً عند هذا الموضوع. ونقول بكل صراحة إن مساعدة الإخوة العرب أمر واجب، لكن يجب ألا يكون على حساب المواطن الخليجي. وإلا أصبح الأمر أقرب ما يكون للابتزاز السياسي، وخاصة أن الدول الخليجية تواجه اليوم مشكلة العمالة الوافدة الأجنبية التي أخذت في التذمر والقيام بالتظاهرات التي اتسمت بالعنف، مما يعني أن الدولة الخليجية مُلزمة بإيجاد البديل البشري في أسرع وقت تفادياً لأزمات قادمة. فهل ستشهد المرحلة القادمة عودة العمالة العربية المتدنية والعاجزة عن استيعاب أدوات التقنية العالمية التي تتعامل معها الدول الخليجية، فضلًا عن عجز العمالة العربية الوافدة عن القيام بما تقوم به العمالة الأجنبية، حتى وإن ادعوا الكفاءة والقدرة؟ المشكلة أن الدولة الخليجية عاجزة سكانياً وتقنياً عن توفير المتطلبات اللازمة لاستمرارية الدولة، وهو ما دفعها لاستيراد البشر من كل حدب وصوب، وإن كان الزمام قد فلت وخرج عن السيطرة بسبب جشع البعض بالمتاجرة في تجارة الإقامات وعجز الدولة عن مواجهة هذه المشكلة التي تفاقمت في الآونة الأخيرة. ولكن الحل لهذه المشكلات لا يكون بالخضوع للابتزاز السياسي واستبدال عمالة سيئة بعمالة أكثر سوءاً. ولا شك أن المختصين من أهل العلم والخبرة من أهل الخليج قادرون على توفير الحلول الناجعة. وبصراحة لابد من مواجهة هذا الابتزاز، وخاصة أن الدول الخليجية قادرة اليوم على استخدام فائض الأموال المتوفر في توفير نظام تعليمي جيد والاستعانة بالخبرات الأجنبية للاعتماد على التقنيات بدلًا من البشر من خلال ما يُعرف بالحكومة الإلكترونية. ولكن لا يمكن حل مشكلات دول الخليج باستيراد العمالة العربية. لقد حان الوقت لإيقاف النزيف المالي لشعوب الخليج لصالح الدول العربية لأسباب سياسية، فما عادت لشراء الموقع السياسي في عالم السياسة العربية أية أهمية في عصر العولمة.