في تصريحاتها لإحدى الصحف المحليّة -مؤخراً- عبّرت وزيرة الشؤون الاجتماعية، معالي مريم الرومي، عن العديد من التوجّهات المهمّة التي تتعلّق بسياسة الضمان الاجتماعي تعمل على وضعها موضع التنفيذ خلال الفترة المقبلة في إطار مواكبة التطوّرات والتحوّلات المتعلّقة بهذا الحقل وضمان فاعلية الضمان الاجتماعي وتحقيقه الأهداف الجوهرية المرجوّة منه. ومن بين أهمّ هذه التوجّهات، يأتي الإعلان عن خطة لتشغيل 54 في المئة من الذين يتلقّون المساعدات الاجتماعية من خلال التعاون بين القطاعين الخاص والحكومي. أهمية هذا التوجّه تنبع من اعتبارات عدة أساسية. أول هذه الاعتبارات أنه ينتقل بسياسة الضمان الاجتماعي من "الرعاية إلى التنمية"، ويغيّر "ثقافة التلقّي" لمصلحة ثقافة مختلفة هي ثقافة "المشاركة في التنمية"، وفقاً لما أعلنته وزيرة الشؤون الاجتماعية. فالضمان الاجتماعي لا تتوقّف مهمته عند تقديم المساعدات المالية، وإنما تتضمّن أيضاً مساعدة القادرين على العمل من متلقّي هذه المساعدات في الحصول على العمل الذي يمكّنهم من الاستغناء عن المساعدة والتحوّل إلى أفراد منتجين في مجتمعهم، والمثل الشهير الذي تحول إلى قاعدة اقتصادية فاعلة يقول: "علّمني كيف أصطاد سمكة بدلاً من أن تصيدها لي". ضمن هذا السياق تجدر الإشارة إلى مشروع " فرصتي" الذي تنفّذه إدارة الأسر المنتجة بوزارة الشؤون الاجتماعية ويستهدف مستحقي الضمان الاجتماعي لمساعدتهم على التحوّل إلى أصحاب مشروعات اقتصادية ناجحة صغيرة أو متوسطة تحت إشراف الوزارة. ولتحقيق هذا الهدف تشتمل خدمات المشروع على التدريب والاستشارات القانونية والتسويق وغيرها. الاعتبار الثاني هو أن من شأن هذا التوجّه أن يضمن وصول مساعدات الضمان الاجتماعي إلى مستحقّيها الحقيقيين من المسنّين أو المعوّقين أو غير القادرين على العمل واكتساب معيشتهم بأنفسهم لأسباب مختلفة، وهذا يتّفق مع فلسفتها الأساسية ويحقّق أهدافها التي وضعت من أجلها. فما من شك في أن من أهم معايير فاعلية أي سياسة للضمان الاجتماعي ونجاحها أن تستهدف الفئات المستحقّة لها ولا تقدّم إلى غير المحتاجين إليها، في هذا الإطار تأتي أهمية "وثيقة الضمان الاجتماعي" الجديدة التي أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية عن انتهاء الوزارة من إعدادها، والتي قالت إنها ستكون بمنزلة "ميثاق شرف" بين الوزارة والمستفيد من مساعدات الضمان الاجتماعي، حيث ستلزم المستفيد بالكشف عن أي تغيّرات قد تطرأ على وضعه من شأنها أن تخرجه من شريحة مستحقي المعونة التي يحصل عليها. الاعتبار الثالث يتعلّق بحاجة الدولة إلى الموارد البشرية المواطنة في مجالات العمل المختلفة، وبالتالي العمل على تشغيلها وعدم تعطيلها من خلال اعتماد بعض العناصر القادرة على العمل على المساعدات الاجتماعية وركونها إليها على الرغم من أنها تستطيع أن تسهم وتشارك بشكل حقيقي في مجال التنمية، وبالتالي تنفع نفسها وبلدها. تعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة من أكثر الدول العربية تقديماً للمساعدات الاجتماعية إلى مستحقيها في الداخل في إطار إيمانها بجانب الضمان الاجتماعي في سياستها، ولهذا فإنه من المهم استثمار هذه المساعدات بشكل فاعل وإيجابي، بحيث تكون رافعة حقيقية للتنمية وليست سبباً -بشكل مباشر أو غير مباشر- في إشاعة ثقافة الاتّكالية والسلبية، ومن هنا تجيء أهمية الإعلان عن التوجّه إلى تعديل قانون الضمان الاجتماعي رقم 2 لسنة 2001، في إطار مبادرات تطويرية أكثر تقدماً لتفعيل سياسة الضمان وإعادة النظر في الفئات التي تستهدفها، ليس بغرض تقليص هذه الفئات وإنما بغرض تنظيمها، والدليل على ذلك أن التعديلات المقترحة للقانون تشمل إضافة فئات جديدة مثل فئة المتعافين من الإدمان وأسرة المواطن الغائب أو المفقود، وغير ذلك من الفئات المستحقّة. ___________ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.