مصطلح الجزيرة المعزولة في علوم التراث البحري القديم يعني فيما يعنيه انقطاع سكان جزيرة -ما- تقع في كوكبنا الأرضي عن التعامل والاختلاط بالعوالم الإنسانية الأخرى، فنادراً ما تمر سفينة على هذه الجزيرة المفترضة -هذا إن مرت- ونادراً ما يغادر السكان المعزولون جزيرتهم بحثاً عن الرزق والعلوم وخبرات الأمم الأخرى. هذه الجزيرة بهذه الصفة لا تتأثر كثيراً بما يحدث في الـجُزر الأخرى ولا في اليابسة الممتدة بالطبع. اقتصادها كما هو ثقافتها بدائية وتطورها أمرٌ شبه مستحيل.. ما لم تخرج من عزلتها القاتلة. في هذه الأيام أصبح من المستحيل تقريباً وجود مثل هذه الجُزر، فالعالم الواسع أصبح قرية صغيرة، وغزت وسائل المواصلات كل الأمم البشرية، وأصبح انتقال المعلومة والتأثر بها كما الاقتصادات الأممية أمراً مؤكداً يصعب الفكاك منه. في الأسبوع الماضي سمعنا عن انهيارات اقتصادية عالمية وإفلاسات بنوك وشركات تأمين ومستثمرين كبار، وغزا اللون الأحمر كل أسواق المال في العالم كله تقريباً. في دولنا الخليجية تصادف أن مرت أسواقنا بفترة هدوء تُناقض حالة الهيجان والفزع في الأسواق المالية العالمية، أما السبب فلأن إجازة عيد الفطر قررت هذا البرزخ من الاسترخاء غير المنطقي والعالم المالي يرفع الرايات البيضاء والسوداء كعلامات للاستسلام والحزن! لكن العطلات تنتهي وستنتهي معها حالة عدم معرفة اتجاهات أسواقنا المالية الخليجية وأكبر الظن أن خطتي الإنقاذ في غرب وشرق الأطلسي، ستؤديان إلى انفراج مؤقت وغزو اللون الأخضر لأسواق البورصة العالمية، وبالتالي سيعم التفاؤل -المؤقت- أسواقنا. والسؤال هنا: هل صحيح ما صرح به رؤساء ومحافظو البنوك ومؤسسات النقد في الخليج وثُلة من المحللين قبل إجازة عيد الفطر بأننا في الخليج العربي غير معنيين بأيام الفوضى الاقتصادية الدولية، وأننا لن نتأثر بهذه الانعكاسات السلبية من الصين شرقاً وحتى البرازيل غرباً، وحتى إن تأثرنا فسيكون تأثراً عابراً وهامشياً؟! الصحيح أن هذا الكلام السابق ليس منطقياً ولا يؤيده شيء من الواقع البتة! أسواقنا هي من الأسواق الناشئة وتتميز هذه الأسواق بهشاشتها تجاه التغيرات الاقتصادية العالمية، والمال الساخن والمستثمرون الأكثر حرارة هم أسياد هذه الأسواق الناشئة، لهذا فإن أي ازدهار أو كساد سينعكس على ما يسمى بالأسواق الناشئة، وحتى بدون الأموال الحارة العابرة، فأسواقنا الناهضة أو (النامية) تتصف بتحكم مستثمرين كبار فيها، إما بصفتهم الشخصية أو عبر مَحافظ مشتركة مع متعاملين جبابرة آخرين، وهؤلاء لهم مراكزهم المكشوفة في الأسواق الدولية التي تعرضت لخسائر قاسية، ولهذا فإن تصفية هذه المحافظ أو الخروج الفردي من أسواقنا المحلية، هو أمرٌ مفهوم لتغطية المراكز الخاسرة والمكشوفة خارجياً. والأمر الآخر الذي لا يؤيد الحديث بخصوصيتنا وانعزالنا عن الاقتصاد العالمي، هو أن صناديقنا السيادية وصناديق الاستثمار في الأسواق العالمية التابعة للبنوك الخليجية المحلية، تعرضت -بالتأكيد- لهزات وخسائر أقل ما يقال عنها إنها عنيفة ومؤلمة خلال أسبوعين فقط، عندما اشترت أو ساهمت في معمعة الرهون العقارية وصكوكها المتدنية القيمة حالياً، أو المفلسة كما يؤكد خبراء آخرون. ... لهذا فإن التأثر قادم بعاصفته تجاهنا حتى ولو حُجبت الأرقام والمؤشرات أسبوعاً أو شهراً أو حتى فصلاً من السنة، ففي آخر السنة المالية لابد أن يطّلع الجمهور على أداء صناديق الاستثمار في البنوك المحلية، وحينها سيعرف الجميع حجم الخسارة المحققة والفعلية لهذه الصناديق، أما الاستثمار السيادي -أو الحكومي- فإن التقارير الصحفية الدولية كفيلة بكشف المستور الذي لا نعتقد أن من الحكمة استمرار إخفائه وعدم إتاحة الاطلاع عليه من قِبل الجمهور المتابع لكل شاردة وواردة معلوماتية اقتصادية في أيامنا هذه. أما المتعاملون مع الأسواق العالمية خارج النظام المصرفي وعبر وسطاء مصرفيين معولمين، إما بصفتهم الشخصية أو عبر شركات وساطة، فالدعاء واجبٌ لهم بعد شهور طويلة من الدعاء عليهم، ولكن الشيء المؤكد أن الانعكاس السلبي سيطال أسواقنا بسبب الحالة النفسية للمستثمرين أو نسبة الإفلاس لشركات الوساطة المحلية وصناديق الاستثمار المختلفة الملكية. ماذا بعد هذه الجردة من السلبيات؟ هل بقي ما يؤكد أن أسواقنا المالية ونظامنا المصرفي الخليجي يغرد خارج السرب الاقتصادي العالمي؟! عليكم بمتابعة الأخبار الاقتصادية المحلية بدقة، وعليكم التأكد من الأنباء التي راجت قبل شهر تقريباً عن حجم السيولة غير المسبوق في أسواقنا المالية والتي لا يُعرف كيف التصرف بها حينها، وعليكم كذلك -مشكورين- مراجعة صحة ما كان يتداول عن الصفقات والقروض المجمعة. والآن هل نحن جزيرة اقتصادية معزولة أم مأهولة بالسكان المرتبطين بخير العالم الآخر.. وشره؟!