طالعتنا إحدى صحفنا المحلية في سبتمبر الماضي بعرض مسودة القانون المتعلق بالأنشطة الإعلامية، والذي يمكن وصفه بقانون وأد وزهق الأنشطة الإعلامية. ففي ظل هذا الزخم الاقتصادي الذي تعيشه الدولة، والذي أسس لازدهار منقطع النظير على أكثر من صعيد، يأتي هذا القانون ليؤسس لنظرة مصدومة من وقع بنود القانون واشتراطاته. فعلى الرغم من كونه قانوناً قائماً على أكتاف قانون المطبوعات لعام 1980، فإنه يُعد أسوأ بمراحل، خاصة إذا كان هذا القانون قانوناً ميتاً بالتقادم، وغير ذي سند قانوني يُعتد به في محاكم الدولة، بسبب كثرة صدور القوانين الُمعدِلة له لاحقاً. وضمن هذا الإطار، فإن اللغة الفضفاضة التي ينص فيها القانون على معاقبة من يُحدث "بلبلة" في الصحافة مثيرة للاستغراب، ناهيك عن جملة "معلومات مضللة"، والتي تُعتبر جريمة يُعاقب عليها القانون بالحبس أو الغرامة. من البديهي أن تتم صياغة القانون، بحيث لا يتم تأويله وتفسيره بطريقة تتناقض مع معناه، أو لا تنسجم مع الهدف المراد من إصداره. لكن في القانون المقترح نجد عبارات مثل "بسوء نية"، فما المقصود هنا "بسوء النية"؟، ومن يحدد فحواها وتداعياتها؟ والأخطر أن ثمة بنداً في القانون يعطي للمحكمة الحق في إلغاء ترخيص الصحيفة في حال إدانة الصحفي ورئيسه! كم من السنوات سنعود للخلف إذا ما طُبق هذا القانون؟ وكيف يمكن للمنادين بالشفافية والصدق والاقتصاد المعافى الوصول إلى هذه الأهداف دون صحافة حرة نزيهة؟ وكيف سنقول للعالم بأننا دولة لها نهضتها الحقيقية المتجذرة ضمناً في تفاصيل الخبر اليومي الساخن؟ وما الهدف من التأكيد على حبس الصحفي رغم أنه ملغي بقرار من نائب رئيس الدولة، وهو القرار الذي شرَّف الدولة، وترك لها فرصة الفخر بين نظيراتها في دول الشرق الأوسط؟ وكيف غاب عن المشرّع أننا دولة تتربص بها دوائر الغرب، ويحفل سجلها في مجال حقوق الإنسان بالكثير من التجني والإتهامات، وكأني به يقدم لهم مزيداً من الاتهامات والتطويق، حين يعيق العمل الصحفي، ويقيده بقوانين متخلفة ضاربة في أرض قاحلة بلا عمق فعلي؟ فالقانون حافل بالكثير من التناقضات والعديد من التفاصيل المخجلة، التي تسعى لتعطيل العمل الصحفي وتحويله إلى روتين لا يضيف إلا استهلاك مزيد من الأوراق والإضرار بالبيئة. وحتى تكون الخاتمة أكثر تأثيراً وصدمة، فإن القانون ينطبق فقط على الصحف الناطقة باللغة العربية، أما الأجنبية منها الصادرة في مناطق حرة أو غيرها فليست ملزمة بتحري بنود القانون وتجنب نواهيه! ألا يسيء ذلك للدولة ولكل مقومات النجاح القادم؟ فلا نهضة بلا صحافة، ولا صحافة بلا حرية، ولا حرية تعيش بصحة وألق ما لم تكن السماوات لها متاحة وزرقاء وبلا شِباك القانون المر الذي لا يقول سوى، موتوا بغظيكم!