وأخيراً وافق الكونجرس الأميركي على الخطة المالية التي تقضي بإنفاق 700 مليار دولار من السيولة لوقف الانهيار في الأسواق المالية... لكن يبقى السؤال: هل تستطيع أكبر دولة ديمقراطية في العالم إنقاذ اقتصادها الذي يستند إلى الحرية التامة على صعيد الأسواق المالية. إن تكاتف دول العالم لإنقاذ النظام المالي أمر حتمي لأن سقوط هذا النظام سيؤدي إلى تغيرات جذرية في النظام الرأسمالي العالمي، فالتباطؤ والركود الذي سيدخل فيه الاقتصاد الأميركي ستكون له تأثيرات على العالم بأسره. كل دول العالم بما فيها الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وغيرها، سارع قادتها للاجتماع للمطالبة بوضع تصور جديد للنظام الاقتصادي القادم في حالة انهيار النظام الرأسمالي الأميركي. الغريب أن القادة العرب هم الوحيدون في العالم الذين أعلنوا بأن الأزمة لن تؤثر في القطاع المصرفي في بلدانهم وأن العملات العربية والخليجية قوية ولن تتأثر بما يحدث في العالم الحر. لست متخصصاً في الاقتصاد، لكني أعرف أن معظم الاستثمارات الخليجية موجودة في الدول الغربية خصوصاً في الولايات المتحدة... لذلك سوف تتفاوت خسائر دول الخليج وقطاعاته الخاصة من دولة إلى أخرى حسب حجم استثماراتها في البنوك والشركات والسندات وغيرها في البورصة الأميركية... حكومات دول الخليج مضطرة للتدخل لإعادة تكوين السيولة التي فقدتها سواء في البورصات المحلية أو الدولية. فدعم القطاع المصرفي بشكل واضح وعلني وضخ السيولة فيه الغرض منه تخفيف التأثيرات العالمية إلى أدنى مستوى. ماذا تعني الأزمة الأميركية لدول الخليج؟ وما هو الدرس المستفاد من الأزمة الحالية؟! رغم حقيقة أن منطقة الشرق الأوسط معزولة نسبياً عن مركز الأزمة باعتبارها لا تزال تستفيد من عائدات النفط المرتفعة وفوائض موازناتها المالية التي تديرها حكوماتها، لكن في حالة تعرض الأسواق المالية في أميركا لأزمة طاحنة لابد أن تتأثر مشاريع المنطقة التي لا تزال قيد الإنشاء. مثلاً دول الخليج وضعت في خططها التنموية فتح بلدانها للمستثمر الأجنبي، وقد تدفقت أموال كثيرة على دول الخليج للاستثمار في البورصات والعقارات والشركات النفطية وغيرها. لكن عندما بدأت بوادر الأزمة المالية تنقشع، سارع المستثمر الأجنبي إلى الانسحاب من منطقتنا وهذا أمر طبيعي وعادي لكنه حتماً سيؤدي إلى انخفاض معدل الارتفاع في بورصات الخليج. علينا أن نقرر ونعترف بأننا أصبحنا جزءاً من العالم المعاصر، فعالمنا اليوم أصبح قرية صغيرة، فأي شيء يحصل في البلدان الأخرى سينعكس علينا سلباً أو إيجاباً، لذلك علينا أن نكون حذرين ومتأهبين ونستبق تفاقم الأوضاع باتخاذ إجراءات احترازية، وهذا يتطلب وجود كفاءات خليجية متخصصة قادرة على تفهم متغيرات الاقتصاد في ظل العولمة. فالعولمة سلاح ذو حدين، فعندما تقرر دول الخليج ضخ أموال لمساعدة البورصات في بلدانها فإن عليها أن تدرك بأن هناك صناديق وأفراداً من كل دول العالم يستثمرون لدينا، فالحماية لن تكون للمواطنين فقط. من المفارقات الغريبة أن دول الخليج لا تعرف حتى الآن كيفية التصرف مع الأزمة الحالية، فمن جهة تحاول البنوك المركزية الحد من الإقراض للحد من التضخم، وفي نفس الوقت تأتي جهات حكومية أخرى لتضخ أموالاً في البورصة لإنعاش الأسواق المحلية... وأخيراً نرى بأن الأزمة المالية لا تزال في بدايتها وعلينا دراسة كل أبعادها، لمعرفة تأثيرها علينا مستقبلاً. د. شملان يوسف العيسى