يمكن القول إن سارة بالين ليست سوى نتيجة طبيعية لخطأ في التصنيع، إن جاز التعبير -أي أنها واحدة من العواقب غير المقصودة لقرار الآباء المؤسسين خلق منصب نائب الرئيس. فعلى مدى قرنين، درج المرشحون الرئاسيون على استعمال هذا المنصب لغرض إحداث توازن في التذكرة الرئاسية من خلال اختيار رفيق في السباق ينحدر من منطقة مختلفة، أو يتحدث بلكنة إيديولوجية مختلفة مع مجموعة معينة من الناخبين. وهو ما يعني أنه في حال وافت المنية رئيساً ما، فإن الصدمة تكون مزدوجة: ذلك أن البلاد تبكي وفاة الزعيم الذي توفي، من جهة؛ وتكون مطالَبة بأن تتعاطى مع من سيخلفه علماً بأنه قد يقود البلاد نحو اتجاه جديد، من جهة ثانية. ولعل أفضل مثال في هذا الإطار هو "تيدي روزفلت"، الذي حل محل الرئيس ويليام ماكينلي عندما اغتيل في 1901. فروزفلت قد يكون رئيساً تقدمياً عظيماً، إلا أنه اختير في الأصل من قبل ماكنلي "المحافظ" ليكون نائباً له فقط من أجل الفوز بنيويورك. وهكذا، انتخبت البلاد "يمينياً"، ولكن انتهى بها المطاف لاحقاً مع شيء مختلف تماماً. وقد دفع المنطق المختل ذاته لينكولن جونسون إلى اختيار آندرو جونسون ليكون رفيقاً له في السباق الانتخابي. فقد كان لينكولن يدرك أن جونسون يتبنى مواقف محافظة بخصوص مسألة العِرق، إلا أنه كان مهتماً أكثر بالفوز بولاية تينيسي، وهو ما يجعل البعض يتحفظ على وصف لينكولن بالسياسي العظيم. وكان من نتائج ذلك أنه عندما قُتل لينكولن، ساهمت معارضة جونسون الشديدة لـ"إعادة البناء" (خضوع الولايات الجنوبية التي حاولت الانفصال عن الاتحاد لمراقبة الحكومة الفيدرالية من 1865 إلى 1877 قبل أن يُسمح لها بالانضمام إليه من جديد) في تسميم العلاقات العرقية على مدى أجيال عدة. لقد هدأتنا الانتخابات الأخيرة نتيجة إحساس زائف بالأمن؛ فقد قام كل من بيل كلينتون وجورج دبليو. بوش بترشيح شخصين يشبهانهما من حيث العقلية، وكذلك الحال بالنسبة للمرشح "الديمقراطي" باراك أوباما هذه المرة. غير أن اختيار المرشح "الجمهوري" جون ماكين المفاجئ لحاكمة ألاسكا سارة بالين لهذا المنصب يجب أن يدفعنا إلى التفكير في الأمر مرة أخرى. فالمكسيك وفرنسا، على سبيل المثال، لا تريان حاجة لنائب للرئيس؛ وعلاوة على ذلك، يمكننا أن نعين وزير الخارجية ليكون مكلفاً بإدارة أمور البلاد إلى أن يتسنى إجراء انتخابات خاصة من أجل إيجاد خلف للرئيس. والواقع أن هذه مسألة لا يستحق عليها الآباء المؤسسون أي تبجيل أو تقدير؛ غير أنه لا غرابة في ذلك على اعتبار أنهم صمموا هذا النظام من أجل عالم سياسي مختلف جداً. فقد كانت كليتهم الانتخابية تسعى إلى منح صلاحية اختيار الرئيس للرجال الأغنياء والمهمين في كل ولاية؛ غير أن التعصب للولاية كان يطغى على السياسة بشكل كبير في الولايات المتحدة الأميركية خلال القرن الثامن عشر؛ ولذلك، كان الآباء المؤسسون يخشون أن يقوم ناخبو كل ولاية بالتصويت لابن ولايتهم المفضل -ما يحرم المرشح المتقدم من الحصول علـى أغلبية. ولحل هذه المشكلة، فكروا في مخطط ذكي حيث منح الدستور الأول الناخبين الرئاسيين (أعضاء الكلية الانتخابية) صوتين، بدلاً من صوت واحد؛ ونص على أنه لا يجوز لهم التصويت سوى لمرشح واحد فقط من ولايتهم. كان الهدف هو إتاحة الفرصة للناخبين قصد إرضاء مرشحهم المحلي المفضل عبر التصويت له بصوت، واستعمال الصوت الثاني لاختيار زعيم وطني مثل، جورج واشنطن، مثلًا، وهو ما يمنحه أغلبية قوية. غير أن نظام الصوتين أظهر قصوره أيضاً للأسف؛ حيث كان بعض الناخبين يقومون بالتصويت للشخص المفضل لديهم فقط، ويدلون ببطاقة ثانية بيضاء لا تحمل أي اسم، وهو ما يقوي بالتالي حظوظ ابن ولايتهم في الفوز. وهكذا، اقتُرح منصب نائب الرئيس، الذي جاء بهدف مكافأة ومواساة المرشحين من أبناء الولاية (أو أي شخص حل في المركز الثاني حسب تصويت الكلية الانتخابية). وكان الهدف الرئيسي من ذلك هو ضمان انتخاب رئيس مناسب؛ ولم يكن توفير مسؤول تنفيذي ثان سوى هدف ثانوي. بيد أن هذا المخطط الذكي لم يصمد طويلًا بعد صعود الأحزاب السياسية؛ فبحلول 1800، كان الناخبون يتبعون تعليمات الحزبين الوطنيين "الجمهوري- الديمقراطي" و"الفيدرالي"، مما أدى إلى أزمة. حيث فاز الحزب "الجمهوري- الديمقراطي" في الانتخابات، وكتب ناخبوه الـ73 جميعهم اسمي توماس جيفرسون ورفيقه في السباق آرون بير، على بطاقات التصويت بدون أن تُمنح لهم صلاحية القول إنهم يريدون جيفرسون رئيساً. وهو ما أفضى إلى تعادل بخصوص التنافس على منصب الرئاسة، ليضطر بعده جيفرسون وبير للتنافس على الرئاسة في جولة تميزت بقوة المنافسة في مجلس النواب. وبعد أن هدأت الأمور، اجتهد الكونجرس والولايات في إدخال التغييرات والتعديلات على النظام الانتخابي. وهكذا، جاء التعديل الثاني عشر ليطلب من الناخبين الإدلاء فقط ببطاقة واحدة للرئيس وأخرى لنائب الرئيس. وإذا كان هذا الأمر قد جعل تكرار أزمة جيفرسون- بير أمراً غير ممكن، إلا أنه عبد الطريق، بالمقابل، لصدمات بخصوص منصب نائب الرئيس أعادت توجيه مجرى تاريخنا الوطني. إذا تمكن السيناتور جون ماكين من الفوز بالرئاسة، فلا يسعنا إلا أن نتمنى له عمراً مديداً جداً، يسمح له بإكمال ولايته، دون حاجة إلى بالين. غير أنه بغض النظر عن النتيجة التي سيؤول إليها السباق الرئاسي، علينا أن نقر بأن الآباء المؤسسين لم يكونوا على علم بأن منصب نائب الرئيس سينفجر في وجهنا؛ وقد حان الأوان لنقوم بإصلاحه. بروس آكرمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة يل الأميركية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"