ما زالت قضية التدين تشغل بالي، كما هي شغل العديد من الأفراد والمؤسسات. وإذا كان التدين فطرة، فإن اللغط الذي أدخله البعض على ديننا الإسلامي سبَبَ العديد من الإشكاليات والتحديات على مستوى الفرد والجماعة. في مقالي السابق، تطرقت إلى قضية الولاء الذي جاءت به بعض التجمعات الإسلامية، والتي كسرت به وحدة الأمة في أرجائها المختلفة. ولعلي أتطرق اليوم إلى إشكالية توقعها الرسول عليه الصلاة والسلام، بل إن القرآن الكريم مملوء بالشواهد والقصص التي نفتقد تأملها والاستفادة منها. نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن كثرة السؤال، والقصد ليس السؤال بحد ذاته بقدر ما هو التعقد والتشكك في الأمور، وفي قصة البقرة في القرآن الكريم مدرسة عميقة من تجربة بني إسرائيل، فقد أمرهم الله تعالى بذبح بقرة، فلو أنهم ذبحوا أية بقرة لكان في ذلك تنفيذ لأمر الله تعالى، لكنهم عقدوا الأمر على أنفسهم، فأخذوا يسألون عن ما هي وما لونها، حتى قادهم الأمر إلى بقرة دفعوا فيها أموالاً طائلة. في أمتنا اليوم أناس لديهم عقلية بني إسرائيل، فمثلاً تجد أن الله أمر المرأة باللبس الشرعي، وهو ما يستر الجسد عدا الوجه والكفين، وعلى ألايكون من لبس الرجال وأن لايصف الجسد أو يجسمه كما يُقال، فلو لبست المرأة ثوباً يحقق ما سبق لكان في ذلك تلبية لأمر الله تعالى. ومن هنا نجد المسلمات في العالم تتمايز ألبستهن الشرعية حسب مجتمعاتهن، لكن بعض النسوة بدأن يسألن عن مواصفات في اللبس، حتى وصل بنا الأمر إلى أن المرأة لا يوجد لها لبس شرعي عدا العباءة السوداء التي لا يظهر من جسمها شيء، بما في ذلك العين، حيث نجد اليوم من يلبس النظارة السوداء إضافة إلى العباية والشيلة والنقاب والخمار وغير تلك القيود التي إنما تكلم بها من أفتى بها بعد الشك الذي بدا لدى النساء بسؤالهن التفصيلي عن مواصفات اللبس الشرعي. مسألة عقدت حياة المرأة المسلمة ومنعتها من المشاركة في عمارة الحياة وحتى في العيش بصورة طبيعية، فكلنا يرى المرأة التي عقدت لبسها بصورة مرضية، وهي تحاول أن تأكل في الأسواق، لكن بسبب وجهها المغطى وعينها التي لفها السواد تعيش حياة فيها من العسر الشيء الكثير، كل هذا بسبب الشك والوسواس الذي يعيشة البعض من أمة محمد عليه الصلاة والسلام والذي جاء لنا يريد بنا اليسر، ولا يريد لنا العسر كما أمره الله تعالى. تحت مظلة التقوى، تجد ممارسات شعارها الابتعاد عن الشبهات، وهذا الشعار حرم به الناس الكثير من الأمور، فمن باب الابتعاد عن الشبهات والاحتياط ودفع المضار، تجد البعض يحرم قيادة المرأة للسيارة، والبعض حرم الانخراط في سوق الأسهم حتى الإسلامية منها، مما جعل غير المسلمين أكثر ثراءً منا، حيث يعيش الكثير من المسلمين اليوم تحت خط الفقر، كما حرم البعض الإعلام بصوره المختلفة، مما جعل كل من في قلبه ذرة من تقوى يستعيذ بالله من العمل في ميدان الإعلام، والنتيجة أن الغير قاد مؤسسات الإعلام، وكلنا يعرف خطورتها، وعندها بدأت الفتوى التي نعرفها، والتي تحرم كل شيء في الإعلام تقريباً، الشك والوسواس قاد البعض إلى رفض الفن بكل أشكاله وإلى يومنا هذا يوجد من يحرم التصوير حتى بالكاميرات الفوتوغرافية، بل إنهم يفتون بتمزيق كل صورة، رغم أن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام عاشوا في مصر، وكلهم رأى أبوالهول، لكنهم لم يبادروا بتحطيمه، فهل تقوى البعض اليوم أعظم من تقوى أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام. لقد عقّدَ البعض الدين، مما جعل الناس ينفرون من الدين وأهله، وسبب هذه العقد نفسية يسودها الشك، والسؤال عن أمور لا تفيد. أعجبني الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى عندما سأله أحدهم في برنامجه التلفزيوني عن طعام الجن، فقال له ضاحكاً: وهل أدير أنا مطعماً للجن حتى أعرف أكلهم! إننا بحاجة اليوم إلى مسلم يعيش الإسلام الجميل ويقدمه للناس دون تشدد، كما أراده الله تعالى. هذا هو ديننا، وهكذا ينبغي أن نكون.