حاولت أن أستجمع أفكاري للكتابة عن فكرة واحدة، لكن يبدو أن انتهاء شهر رمضان المبارك، وتغيرات العادات في النوم والأكل والشرب، كان له أثره حتى في لخبطة الأفكار وتفرقها، كلما حاولت الكتابة عن حدث مهم، وجدت آخر متزامناً معه ولا يقل أهمية عنه. أحداث عدة وساخنة كانت تأخذك يمنة ويسرة، فما أن تشرع في الكتابة عن التفجير الإرهابي في دمشق "الآمنة"، حتى يدوي انفجار آخر في طرابلس الدامية، الحصيلة عشرات القتلى والجرحى من الأبرياء. لا يزال التحقيق مستمراً في اغتيال عماد مغنيه في فبراير من هذا العام، رغم صدور تصريحات رسمية سورية في حينه تؤكد معرفتها بمن وراء الاغتيال وبأنها ستكشفه "في حينه". تشدك أخبار اختطاف سياح أجانب في مصر، فتأتيك الأخبار بقرصنة في بحر العرب لسفينة أوكرانية محملة بدبابات روسية كانت في طريقها لكينيا. نهاية سلمية للسياح -بغض النظر عن كيفية إطلاق سراحهم، وما رافقه من تكهنات و"بطولات" مصرية رسمية، ولكن السفينة الأوكرانية لا تزال محاطة بالقطع البحرية لحلف "الناتو"، وقد تكون نهايتها دموية. تتساءل: هل توجد ظاهرة خطف للسياح وقرصنة للسفن في أعالي البحار في غير منطقتنا العربية؟ أحاول جهدي أن أتابع الأزمة المالية التي تمر بها البنوك الدولية والبورصات العالمية، ولا أفقه منها شيئاً، أصدقاء كُثر من حولي يناقشون الأزمة بلغة أقرب ما تكون إلى الطلاسم بالنسبة لي. لم ولن أكتب عن الاقتصاد، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، هكذا حدثت نفسي. أعتقد أن خبرة جون ماكين فازت على حماسة وطموح باراك أوباما في المناظرة الأولى، التي جرت بين مرشحي الرئاسة الأميركيين قبل أسبوع. في الكويت، نائب يهدد وزير المواصلات بالمساءلة البرلمانية إنْ لم يحجب "اليوتيوب". حجة النائب أن الموقع فيه مقاطع تسيء للإسلام. من الواضح أن معرفة النائب بالإنترنت مثل معرفتي في الاقتصاد. ولا يدرك أن "اليوتيوب" مشغل لا يُحمِّل مادته، بل إن مادته يتم تحميلها من متابعيه، وأن "اليوتيوب" مثله مثل أي اختراع آخر اكتشفه الإنسان: سلاح ذو حدين. فالسيارة تتسبب حوادثها بمقتل الملايين سنوياً، ولا أحد يفكر بالعودة إلى الراحلة كوسيلة مواصلات، والهاتف يتسبب في الإزعاج أحياناً، لكن لا أحد يفكر في التواصل عبر الحمام الزاجل بعد اليوم، وكذا الإنترنت، يمكن أن يكون مصدراً هائلاً للمعلومة، ويمكن أن يستخدم أداة للتعري والخلاعة والإرهاب، وهكذا. ما يحزن أن العالم يخترع ويكتشف، ونحن مشغولون بكيفية منع ما يكتشفه الآخر. كلما اخترع العالم مخترعاً، رحنا نقيسه بمقياس التطرف والمتطرفين، أحلال هو أم حرام؟ وكأنما العالم ينتظر فتاوى بعض متطرفينا كي يواصل مكتشفاته ومخترعاته! على أية حال، فإن التكنولوجيا التي صنعت الإنترنت لديها وسائل لتجاوز الممنوع من قوى التخلف، التي تحركها فتاوى التطرف، ومنع "اليوتيوب"- لو تم- فإن أي فتى يافع في سن المراهقة يمكنه أن يكسر هذا المنع بنفس أدوات المنع التكنولوجية. استمروا في محاولات المنع الخائفة والهلعة، وستستمر التكنولوجيا بالتهكم على وسائلكم البدائية. نردد بلا انقطاع أننا أمة تؤمن بالعلم والمعرفة وتحث عليهما، لكننا لا نزال نرفض استخدام أدوات علمية حسابية بسيطة مع بعض من آلات الرصد عن بعد، و"شوية" تلسكوبات تقودنا إلى الصيام في يوم واحد، والفرحة العامة بالعيد لكافة المسلمين في يوم واحد أيضاً. فالآلات لا دين ولا طائفة ولا سياسة لها. إلى أن يأتي يوم نقدر فيه العلم حق قدره، ونثمن ما يخترعه الآخرون كي نستفيد منه، نتمنى للجميع عيداً سعيداً وأياماً أسعد، وكل عام وأنتم بخير.