عندما يقر استشاري يعمل في إحدى بلديات الدولة بأن هناك إفراطاً في استخدام المبيدات في الزراعة، بسبب ما وصفه بجهل غالبية المزارعين بالطرق والمعدلات الصحيحة لاستخدام المبيدات، فإن من الضروري التعاطي مع مثل هذه التحذيرات بالأهمية التي تستحق، كون الإفراط في استخدام المبيدات في الزراعة يرتبط ارتباطاً مباشراً، وفق الدراسات العلمية المتخصصة، بارتفاع معدلات الإصابة بالأورام السرطانية والفشل الكلوي والكبدي وغير ذلك من الأمراض التي تزايدت معدلات انتشارها بشكل لافت للنظر. وإذا كان الإفراط في استخدام المبيدات في الزراعة منتشراً في كثير من دول العالم الثالث، فإن تصريحات الاستشاري نفسه لصحيفة "الإمارات اليوم" تلفت الانتباه إلى جزئية غريبة، وهي عدم استغلال مختبرات بلديات الدولة في إجراء فحوص دورية لمعرفة النسب الصحيحة لبقايا المبيدات في الخضروات والفاكهة المحلية والمستوردة على الرغم مما تتسم به هذه المختبرات من كفاءة عالية بحسب الاستشاري! التحقيق الصحفي الذي تناول هذه القضية أورد موقف "جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية"، وتأكيده أنه يتبع معايير عالمية في تحليل السلع الغذائية، مؤكداً سلامة كل ما يستهلك من غذاء في الإمارة. إن الرقابة على الغذاء لا تقل أهمية عن الرقابة على الأدوية، ولذا فإن هذه المسألة تستحق بالفعل مزيداً من الاهتمام والتنسيق بين الأجهزة المعنية بالرقابة الغذائية والصحية على مستوى إمارات الدولة جميعها، ليس فقط للرقابة على معدلات استخدام المبيدات في الداخل، ولكن، وهذا هو الأهم، لاختبار جودة الواردات الزراعية التي تستقبلها أسواق الدولة يومياً وعبر العديد من المنافذ. هناك دراسات تؤكد أن حجم استخدام المبيدات في الدول النامية يبلغ 7% من حجم الإنتاج في العالم، وأن بعض دول المنطقة التي تستورد الإمارات منتجات زراعية منها تحتل مراتب متقدمة في قائمة استخدام المبيدات الزراعية المغشوشة والمحظورة دولياً، من أجل تحسين الإنتاج وزيادته، وأن هذه الدول باتت تعاني بشدة جراء زيادة معدلات الإصابة بالسرطانات بشكل لافت. لا ينبغي في حالة كهذه الرهان على وعي المزارعين، أو الاكتفاء بأي شهادات صورية مرفقة تؤكد خلو المنتج من المبيدات والسموم وغير ذلك، كما ينبغي الانتباه إلى أن ارتفاع أسعار الغذاء في مناطق العالم كافة، سيدفع الكثير من المزارعين في الدول المصدرة إلى تكثيف استخدام المبيدات المحظورة والمغشوشة وغير ذلك دون رادع من أجل زيادة الإنتاج، وبالتالي تعظيم الأرباح والمكاسب على حساب صحة البشر في الكثير من الدول المستوردة للغذاء، خصوصاً تلك التي لا تطبق معايير قياسية في منافذها البرية والبحرية لاختبار جودة المنتجات، والتأكد من خلوها من السموم والمبيدات قبيل السماح بنفاذها إلى الأسواق، ناهيك عن أن هناك تقارير تشير إلى أنه بحلول عام 2011 ستبلغ نسبة المبيدات المغشوشة، وهي الأخطر من حيث السمية والتسبب بانتشار الأمراض، نحو 76% من المبيدات المتداولة في الأسواق العالمية. والمعنى في هذه الحالة أن الأجهزة الرقابية ستكون في مواجهة تحدٍّ بالغ الصعوبة، سواء لجهة التأكد من تطبيق المعايير الخاصة باستخدام المبيدات الزراعية، أو ملاحقة المبيدات المغشوشة ومصادرتها، ناهيك عن اختبار المنتجات الزراعية المستوردة من عشرات الدول التي تستقبل أسواق الدول إنتاجها بشكل دائم. من المهم أيضاً المضي قدماً في مشروعات الزراعة العضوية التي باتت تحظى بدعم رفيع المستوى، من أبرز تجلياته القرار الذي اتخذه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإنشاء مركز للزراعة العضوية في إمارة أبوظبي، بهدف المحافظة على بيئة مستدامة صحية ونظيفة للمزارعين، فضلاً عن توفير غذاء صحي. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية