حجبت التغطية الإعلامية للزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى نيويورك مؤخراً، قصد المشاركة في أعمال الدورة الحالية لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حقيقة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت أحدث تقرير لها حول برنامج طهران النووي، وأنه احتوى على بعض الأخبار غير السارة: ذلك أنه بحلول اليوم الذي ستقوم فيه أميركا بتنصيب رئيسها المقبل، ستكون إيران على الأرجح في وضع البلد الذي يمتلك أسلحة نووية "افتراضية"، ما يعني أنها ستكون قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة في غضون بضعة أشهر حين تقرر القيام بذلك. ولكن كيف ذلك؟ الواقع أن الشيء الوحيد الذي يبدو أن إدارة بوش والحلفاء الأوروبيين يتفقون عليه بخصوص إيران هو أنه مازال ثمة مزيد من الوقت للدبلوماسية والعقوبات حتى تنجح قبل أن يتمكن الملالي من تخطي الخط النووي الأحمر. غير أن ذلك لم يعد هو واقع الحال للأسف. فمنذ ديسمبر الماضي، عملت إيران على تخصيب اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي التي تدور بسرعة هائلة. وكانت النتيجة مخزوناً متزايداً مما يسميه العلماء اليورانيوم "منخفض التخصيب"، الذي يصلح لتزويد مفاعل نووي بالوقود. غير أنه إذا قمت بإعادة تدوير هذه المادة عبر أجهزة طرد مركزي، فإنها تتحول إلى وقود عالي التخصيب يصلح للاستعمال في صنع قنبلة نووية. وحسب التقرير الذي صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الخامس عشر من سبتمبر، فإن مخزون إيران وصل بحلول 30 أغسطس المنصرم إلى 1060 رطلا من اليورانيوم "هيكسافلورايد" منخفضب التخصيب، علماً بأنها كانت تنتج أكثر من 100 رطل بقليل شهرياً. وبهذه الوتيرة، يتوقع أن تتمكن إيران من إنتاج 1500 رطل على الأقل بحلول منتصف يناير المقبل. أما إذا أعيد تدويرها، فإنها يمكن ان تنتج 35 رطلاً من اليورانيوم من النوع الذي يصلح لصنع سلاح نووي، يكفي لصنع قنبلة واحدة، على الأقل. (والواقع أن هذا يعادل تقريباً الكمية التي صنع من أجلها جهاز الانفجار الداخلي الذي كان علماء صدام حسين يحاولون تطويره في الثمانينيات؛ وحسب مصادر استخبارية، فإن التصميم العراقي تم تداوله في السوق السوداء النووية، ومن غير المستبعد أن يكون قد وقع بين أيدي الإيرانيين). وسيتطلب الأمر نحو شهرين أو ثلاثة من أجل زيادة مستوى التخصيب إلى المستوى المطلوب لصنع قنبلة نووية -بمعنى أن إيران قد تتمكن من أن تقدم للعالم قنبلة نووية بحلول عيد الفصح المقبل (مارس/ أبريل). غير أن ثمة شعاع أمل. ذلك أن الخبراء والدبلوماسيين طالما يفترضون أنه لا يوجد بلد يرغب في قنبلة واحدة فقط، وأن كل البلدان التي تسعى لتصبح قوى نووية ترغب في صنع قنبلة أولى من أجل اختبارها (قصد إثبات قدرتها النووية) ثم ثلاث أو أربع قنابل إضافية من أجل ردع هجوم محتمل. وإذا اتبعت إيران هذ الخط التفكيري، فإنها ستدفع بذلك هذا التاريخ قليلاً (وليس كثيراً). وفي هذه الأثناء، تقوم إيران اليوم بزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي؛ وبالتالي، فإنها قد تستطيع إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلة ثانية في غضون عام. وبحلول فبراير 2010، سيكون لديها، على الأرجح، ما يكفي من هذه المادة لصنع قنبلة ثالثة؛ على أن المعدل سيزداد كلما ازداد عدد أجهزة الطرد المركزي. بيد أن التوفر فقط على ما يكفي من المواد لصنع قنبلة واحدة من المؤكد أنه سيحدث فرقاً بخصوص الكيفية التي ترى بها إيران العالم. وسيحاول رئيسنا الجديد وحلفاؤه التفاوض مع بلد قد يقرر في أي لحظة تصعيد تهديده النووي. ولكن يمكن أن تقول إيران: "إذا لم يعجبكم ما نقوم به اليوم، فكيف سيعجبكم إذا قمنا بطرد المفتشين الدوليين وطورنا مواد تصلح لصنع بعض القنابل؟". والواقع أن هذا التهديد لوحده يمكن أن يضع الغرب على طريق دبلوماسي مسدود. يصح هذا الأمر على رغم أنه لا أحد يعرف بشكل مؤكد ما إن كانت إيران تمتلك بقية المكونات اللازمة لصنع قنبلة، أو ما إن كانت مساعي صناعتها ستنجح أصلاً. غير أن صنع هذه المكونات أسهل بكثير في الواقع من صنع الوقود؛ ثم إن هناك دلائل كثيرة على أن إيران كانت تعمل عليها. وبالتالي، فسيكون من الخطير افتراض أن المكونات الأخرى لن تكون متاحة بعد بحلول الوقت الذي سيتم فيه إنتاج ما يكفي من الوقود لصنع قنبلة. الحقيقة أن أفضل وقت لوقف برنامج إيران النووي هو ما بين 2002 و2006، أي بعد اكتشاف طابعه السري ولكن قبل أن يكتسب زخمه الحالي. غير أن إدارة بوش، المشلولة جراء الحرب في العراق، اتبعت سياسة اعتباطية خرقاء؛ حيث رفضت في البداية دعم المفاوضات التي كان يجريها الأوروبيون مع إيران، بدون أن تقدم أي بديل ممكن. ثم حين انضمت في نهاية المطاف إلى الجهود الأوروبية، كان الوقت قد فات. واليوم سيكون من الضروري إنجاز معجزة دبلوماسية؛ ذلك أنه في الوقت الذي توشك فيه إيران على السير خطوة أخرى ببرنامجها النووي، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين إقناع الملالي بأنهم سيكونون أفضل حالاً بدونه. غير أن هذا يتطلب أكثر من العقوبات الضعيفة التي تم التوصل إليها حتى الآن؛ ويمكن القول إنه لا شيء أقل من تهديد جدي بفرض العزلة الدبلوماسية والاقتصادية الدولية -جعل إيران دولة منبوذة- سيدفعها تتراجع. إن الأمر يستحق المحاولة، ولكن الوقت أقصر مما كنا نعتقد. جاري ميلهولين مدير "مشروع ويسكونسن لمراقبة الأسلحة النووية" والمدير التنفيذي للموقع الإلكتروني "إيران ووتش" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"