عندما وجد الجنرال "ماك آرثر" القائد الأعلى لقوات الحلفاء في المحيط الهادئ إبان الحرب العالمية الثانية نفسه وجهاً لوجه أمام احتمال مخيف، وهو مقاتلة اليابانيين بين الغابات، والمستنقعات، والصخور البركانية للجزر الواقعة جنوب المحيط، فإنه لجأ إلى اتباع تكتيك عرف باسم " القفز على الجزر"، أي تجنب الجزر التي توجد فيها قوات يابانية، وتجاوزها إلى جزر لا توجد فيها، ثم العمل من هناك، وهو ما أدى عملياً إلى عزل قوات العدو الياباني في تلك الجزر، وجعلها غير ذات أهمية من الناحية الاستراتيجية. كان مبدأ الجنرال الذي كان خارجاً عن المألوف في ذلك الوقت هو " اضربوهم حيث لا يوجدون".ونظرا لأن صناع السياسة في أميركا يعيدون في الوقت الراهن، تقييم الطريقة المثلى لاستخدام القوات الأميركية وقوات "الناتو"، والأموال، ورأس المال السياسي، خصوصاً مع تصاعد العنف في أفغانستان بنسبة 30 في المئة، وتدهور الموقف في باكستان، فإنهم قد يحسنون صنعاً إذا ما وضعوا هذا المبدأ نصب أعينهم. والهجمات الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة داخل مناطق القبائل المدارة من قبل الحكومة الفيدرالية، تتبع المنطق التقليدي الذي يقول: "كي تربح في أفغانستان، عليك أن تقتل، وتقهر، وتأسر في باكستان". إن أي سياسة ناجحة يجب أن تهاجم مركز الثقل الحقيقي للتمرد: وهو الحماية التي تتوافر لمقاتليه، وقدرتهم على توفير وسائل الإعاشة، والحالة الذهنية لكل واحد منهم. فإذا نجحنا في تحقيق ذلك كان النجاح حليفنا، وإلا فأننا سنخسر. والسؤال هنا هو:كيف يمكننا تحقيق ذلك؟ أولًا، يجب على قوة المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان المعروفة باسم(إيساف) العمل من أجل حماية ممر عرضه 30 ميلاً يقع على امتداد "طريق أفغانستان الدائري"، الذي يمر عبر 4 مدن من بين مدن أفغانستان الرئيسية الخمس، التي يعيش فيها ثلثا الشعب الأفغاني. فبدلاً من الاعتماد على القوات التقليدية الكاسحة، يجب على "إيساف" بناء قواعد لوجستية قوية في المدن والبلدات الواقعة على امتداد هذا الطريق، خصوصاً في المنطقة الجنوبية التي تتزايد فيها حدة العنف والواقعة على وجه التحديد بين قندهار وكابول والتي يعيش فيها الثلث الباقي من السكان، من هذه القواعد، تستطيع قوات العمليات الخاصة، وفرق الأعمال المدنية بالمشاركة مع قوات الأمن الوطني الأفغانية، تحسين الحالة الأمنية في المناطق الريفية، مع المحافظة في الوقت ذاته على تواجد عسكري خفيف يكون كافياً لردع المقاتلين. ثانياً، يجب على" إيساف" أن تستخدم مزيجاً مماثلاً من قوات العمليات الخاصة، والمستشارين المؤهلين لتحسين رفاهية الأفغان من خلال تعزيز المؤسسات، والحد من الفساد، وتمكين القادة المحليين الشرعيين من الحكم. تحتاج إيساف كذلك إلى إدماج هذه المواضيع في سياق الاقتصاد الأفغاني القائم على تجارة المخدرات، والذي يدمر المؤسسات من الداخل، وينشر العنف والخوف، ويغدق الأسلحة، والسلطة السياسية على المتمردين. العمل على ربط الحكم الرشيد برباط وثيق مع استراتيجية فعالة لمكافحة المخدرات. فتنفيذ برنامج منظم ومتناسق، لاستئصال زراعة الأفيون، والتدخل للحيلولة دون زرع مساحات جديدة معه، مع البحث في الوقت ذاته، عن محاصيل بديلة، يمكن أن يعتمد عليها الناس في معاشهم وتنويع تلك المحاصيل تعتبر كلها إجراءات يمكن أن تخلق الظروف الملائمة للنشاط السوقي الحر، والعادل، والشفاف. ويجب في هذه السياق اتخاذ التدابير الكافية– بالإضافة إلى الجهود المشار إليها- حتى لا يحدث ما حدث من قبل عندما توقف الأفغان عن زراعة الأفيون بسبب الجهود الحكومية والدولية التي بذلت، ثم سرعان ما عادوا إلى سابق عهدهم، بسبب عجز تلك الجهود والبرامج عن تعويضهم عن المداخيل التي كانوا يحققونها من خلال زراعة تلك المادة وتصنيعها وتهريبها. يجب على الدبلوماسية العامة أن تحقق على المستوى الفكري، ما تحققه الحماية والحكم الرشيد على المستوى العملي البسيط. فالعسكريون، والمستشارون، ليسوا في حاجة للانغماس في "حرب الأفكار"، وإنما يجب عليهم بدلًا من ذلك الانشغال بتعرية أيديولوجية المتمردين القائمة على الخوف، والعنف، والقمع، وهي استراتيجية لا تقدم للأفغان أي أمل في المستقبل. إن الدبلوماسية العامة هي مسؤولية كل عسكري ومستشار يعمل على المستوى المحلي... ويجب على هؤلاء استخدام التعليم، والدعم، لتمكين الأفغان من تعزيز مفاهيمهم الخاصة بالسوق المفتوحة، والسياسات الشفافة، والاشتباك مع المنظومة الاقتصادية العالمية. على الرغم من أن استراتيجية"ماك آرثر" الخاصة بالقفز فوق الجزر قد واجهت معارضة كبيرة من الجنرالات والسياسيين من ذوي التفكير التقليدي في أثناء الحرب العالمية، إلا أنه نجح في تنفيذها في النهاية، على الرغم من قلة الموارد، بخسائر لا يمكن مقارنتها بالخسائر التي تكبدها قادة آخرون ذائعو الصيت مثل "دوايت أيزنهاور" في معارك أصغر كثيرا في سياق تلك الحرب. ما أود التأكيد عليه، هو أن القادة الأميركيين بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجيتهم من أجل هزيمة مجموعة من الأعداء اللدودين. فهم يستطيعون مواصلة دائرة العنف في أفغانستان، وتقويض الاستقرار في باكستان، من خلال الالتزام العنيد بسياسة القتل، والقهر، والأسر، كما أنهم يستطيعون اتباع استراتيجية تستهدف تحسين رفاهية الأفغان العاديين. وإذا ما استطاع القادة السياسيون في واشنطن وأوروبا مساعدة القيادة المدنية الجديدة في باكستان على الاضطلاع بجهود مماثلة، فإنهم سيتمكنون بذلك من عزل العدو. اضربوهم في الأماكن التي لا يوجدون فيها كما فعل الجنرال ماك آرثر في الحرب العالمية الثانية وسوف ينحسر التمرد في النهاية. إف. جوردان إيفرت زميل بمعهد سياسات الأمن الداخلي- جامعة "جورج واشنطن" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"