منذ عقود طويلة أدرك الأطباء مدى خطورة بعض الأمراض على صحة الفرد، وعلى احتمالات وفاته المبكرة بسبب المضاعفات التي تنتج عنها، كأمراض السكري، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة. ولكن ما غاب عن الأطباء حتى وقت ليس بالبعيد، هو قوة الرابطة التي تربط هذه الأمراض الثلاثة ببعضها بعضاً، فيما أصبح يعرف حالياً بالمنظومة الأيضية (Metabolic Syndrome). وقبل أن نستطرد هنا في شرح هذه العلاقة المرضية أو الحالة الطبية، لابد أن نفهم الأساس اللغوي لهذه التسمية. فالمنظومة في عالم الطب، ما هي إلا وصف لمجموعة من الأعراض (يشكو منها المريض)، والعلامات (يكتشفها الطبيب)، تظهر بالترافق مع بعضها بعضاً. أي أن ظهور أحد هذه الاعراض أو العلامات، يدل الطبيب على أن بقية الأعراض والعلامات موجودة، أو أنها ستظهر لاحقاً. وغالباً ما يستخدم الأطباء وصف (المنظومة) على مجموعة الأعراض والعلامات، التي يجدونها متباينة ومتباعدة، دون أن يدركوا السبب خلفها. وغالباً أيضاً ما يستخدم وصف المنظومة، للأمراض غير المفهومة بشكل دقيق. أما كلمة الأيضية، فهي مشتقة من (الأيض)، أو العمليات الحيوية الكيميائية الطبيعية التي تدور داخل الجسم البشري. والخلاصة أن المنظومة الأيضية هي عبارة عن مجموعة من الأعراض، والعلامات المتباينة والمتنوعة، الناتجة عن حدوث اختلال في العمليات الحيوية الكيميائية داخل الجسم. وعلى رغم أن توصيف هذه المنظومة يعود لعقد السبعينيات، إلا أن عام 1988 شهد انطلاقها وانتشارها بين أفراد المجتمع الطبي، عندما تم التنظير بأن الأمراض الثلاثة سابقة الذكر، هي نتيجة مقاومة الجسم لمفعول هرمون الإنسولين. وهو ما يفسر أن بعض الأشخاص المصابين بالسكري، أو ارتفاع ضغط الدم، أو السمنة، قد يكونون مصابين باثنين أو أكثر من هذه الأمراض الثلاثة في نفس الوقت. ولذا نجد أن من المعتاد والشائع أن نسمع بأن شخصاً ما، مصاباً بالسمنة والسكري، أو السكري وارتفاع ضغط الدم، أو السمنة وارتفاع ضغط الدم، أو السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم معاً. والمؤسف أنه على رغم أن كل واحد من هذه الأمراض يؤدي إلى تلف في الشرايين، إلا أن هذا التلف يتضاعف عدة مرات في حالة وجودها معاً. وهو ما يجعل الأشخاص المصابين، بأكثر من مرض من هذه الأمراض الثلاثة، أشد عرضة للوفاة من الذبحة الصدرية، أو السكتة الدماغية، أو غيرها من الأمراض التي ترتبط بانسداد الشرايين وتصلب جدرانها. ولذا في مثل تلك الحالات، لا يشخص هذا المريض على أن مصاب بالسكري، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة، كلاً على حدة، بل على أنه مصاب بالمنظومة الأيضية مجتمعة، والتي تعرف أحياناً بمنظومة مقاومة الجسم للأنسولين. وتأتي هذه التسمية بسبب التركيز العالي من هرمون الإنسولين في الدم، دون أن تستجيب الخلايا لمفعوله المؤدي لخفض مستوى السكر. والغريب أن هذه المنظومة الجديدة على عالم الطب إلى حد ما، والتي لم تجد طريقها بعد إلى مفردات العامة من الناس، تُظهر الدراسات الطبية انتشارها بشكل هائل. ففي الولايات المتحدة مثلاً، يقدر أن 25 في المئة من الأميركيين، أو واحداً من كل أربعة أفراد، مصاب بالمنظومة الأيضية. ولا يختلف الحال كثيراً في بريطانيا، حيث يقدر أن نسبة انتشار المنظومة الأيضية بين البريطانيين، لا تختلف كثيراً عن مثيلتها بين الأميركيين. وعلى رغم أن مثل تلك التقديرات والإحصائيات تتعلق بالأميركيين والبريطانيين، إلا أنه لا يوجد سبب يجعل المنظومة الأيضية أقل انتشاراً بين شعوب الدول الأخرى، وخصوصاً تلك التي يعيش أفرادها نمط حياة مشابها لنمط الحياة الأميركي أو البريطاني، والمتميز بالسمنة وقلة الحركة والنشاط البدني. وربما يبلغ انتشار هذه المنظومة مستويات أعلى بين بعض الدول، مثل دولة الإمارات، والتي تحتل المركز الثاني عالمياً، على صعيد نسبة انتشار داء السكري بين مواطنيها. ويمكن تلخيص الاضطرابات التي تقع في العمليات الحيوية أو الأيضية في تلك المنظومة، في الآتي: 1- وجود سمنة مركزية، (كرش)، تتركز فيها الدهون حول البطن، بدلًا من أن تتوزع بنسب متساوية في جميع مناطق الجسم. 2- ارتفاع نسبة الدهون في الدم، وخصوصاً الدهون الثلاثية، مع انخفاض مستويات الكوليسترول الجيد، وهو ما يؤدي إلى ترسب الدهون على جدران الشرايين، ومن ثم تصلبها وانسداداها. 3- ارتفاع ضغط الدم. 4- وجود مقاومة للإنسولين، تظهر في شكل ارتفاع حاد في مستوى السكر في الدم بعد الوجبات، وخصوصاً بعد تناول الأطعمة المحتوية على كميات كبيرة من النشويات والسكريات. وبخلاف الأمراض، والأعراض، والعلامات، التي تترافق بالمنظومة الأيضية، يظل سبب الإصابة بها مجهولًا إلى حد كبير. فبسبب التعقيد الهائل للعمليات الحيوية داخل الجسم، لا زال الأطباء عاجزين عن تحديد سبب الخلل الكيميائي الذي يؤدي إلى الإصابة. وإن كانت الشكوك تحيط بعوامل وراثية، تظل كامنة، وتظهر آثارها فقط عندما يزداد وزن الشخص، ويقل نشاطه البدني، مما يؤدي إلى جعل خلايا جسمه أكثر مقاومة للإنسولين، ومن ثم الإصابة بالمنظومة الأيضية. وهو ما يعني أن هؤلاء الأشخاص على رغم عدم قدرتهم على تغيير تركيبتهم الوراثية، إلا أن في مقدورهم تجنب المنظومة الأيضية، وأمراضها الثلاثة، وما ينتج عنها من مضاعفات تؤدي إلى الوفاة المبكرة. من خلال الحفاظ على أوزانهم ضمن المدى الطبيعي، وبذل النشاط البدني، من خلال ممارسة الرياضة، أو غيرها من النشاطات اليومية البدنية. د. أكمل عبد الحكيم