تاعيات أزمة "وول ستريت"... ومحنة جوردون براون الأزمة المالية الأميركية، وإهمال بوش لأرواح جنوده في العراق، ومعضلة بيونج يانج النووية، وجوردون براون وأزمة الثقة الوزارية... أبرز القضايا التي نقف عليها سريعاً في هذه الإطلالة السريعة على الصحافة البريطانية. لحظة السقوط الأميركي: في مقاله التحليلي المنشور في "ذي أوبزرفور" بتاريخ الأحد 28 سبتمبر الجاري، رأى "جون جراي" إن الولايات المتحدة الأميركية تمضي الآن في ذات الانحدار من موقع الصدارة والقيادة العالمية، إلى الهاوية التي انحدر إليها الاتحاد السوفييتي في بدايات عقد التسعينيات. والسبب هو الأزمة المالية التي تمر بها حالياً. وفي معرض تفنيده لهذا الرأي، قال الكاتب إن الأنظار ربما تتجه الآن إلى الانهيار المالي الذي تمر به أميركا، إلا أن حقيقة الانهيار ومداه يتجاوزان كثيراً المجال المالي وحده. فها هي اليوم تنهار على عروشها أمجاد عقيدة السوق الحرة التي طالما روجت لها أميركا، وتمكنت من فرضها فرضاً على الكثير من الدول النامية في شتى أنحاء العالم. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ما انفكت الإدارات الأميركية المتعاقبة عن محاضرة الدول الأخرى عن ضرورة تطبيقها للنظم المالية الرشيدة. وبالنتيجة عانت دول مثل إندونيسيا وتايلاند والأرجنتين، إضافة إلى دول أفريقية، أشد العناء من تقليصها للإنفاق العام، والغرق في حالات كساد عميق متكررة، لقاء تطبيقها لوصفة صندوق النقد الدولي التي تفرضها الولايات المتحدة. وبالقدر نفسه واصلت أميركا ضغوطها على الصين بسبب ما تنسبه إليها من ضعف في نظامها المصرفي. إلا أن الذي حدث اليوم أن النظام الاقتصادي الصيني –الذي يتحكم به جهاز الدولة، هو الذي حقق نجاحاً باهراً، بينما يتهاوى الاقتصاد الأميركي القائم على مبادئ الاقتصاد الحر والخصخصة وما إليها من مجموعة مفاهيم ومبادئ اقتصاد العولمة. بل الغريب أن النظام المالي الأميركي لم يجد ما ينقذه من الانهيار سوى جهاز الدولة الذي طالما حرص على التحرر منه! وبسبب قيادة أميركا للعالم طوال العقود الماضية، استناداً إلى قوتها وعقيدتها الاقتصادية، فإن المرجح لها أن تتراجع عن موقعها القيادي العالمي هذا، بسبب فقدانها لأسنانها الاقتصادية وهزيمة عقيدة السوق الحرة التي راهنت عليها وتمسكت بها. بوش بين "وول ستريت" والعراق: من زاوية أخرى في النظر إلى الأزمة المالية التي ضربت أميركا، نشرت صحيفة "ذي إندبندنت" مقالاًَ تحليلياً للكاتب المعروف روبرت فيسك، جاء فيه أن إدارة بوش سارعت إلى إنقاذ أسواق "وول ستريت" المالية من الانهيار الذي يتهددها، في حين واصلت مغامرتها بأرواح الجنود الأميركيين المرابطين في العراق. ووجه المقارنة هنا هو غرابة طبيعة الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة حتى الآن في العراق. فالمعلوم أن الحرب على الإرهاب قد شنت في الأصل ضد تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان"، التي تؤويه وتوفر له الملاذات الآمنة ومعسكرات التدريب وغيرها. إلا إن واشنطن سرعان ما تخلت عن أهدافها تلك، واندفعت باتجاه فتح جبهة حربية أخرى لها في العراق. وهي الآن مضطرة إلى العودة إلى أفغانستان تارة أخرى، إضافة إلى العمليات العسكرية التي شرعت في تنفيذها داخل باكستان مؤخراً. وعلى رغم نداءات الانسحاب من العراق الموجهة إليها طوال العامين الأخيرين الماضيين، إلا أن الإدارة لم تعر هذه النداءات أذناً صاغية، رغم علمها بكارثية الحرب التي تخوضها هناك، ومساهمتها المباشرة في تراكم ديون الخزانة العامة، التي لا يمكن التقليل من دورها في الأزمة المالية الراهنة. والواضح من سلوك واشنطن أنها اهتمت بإيجاد الحل لأزمة "وول ستريت" بينما لم تأبه لأرواح جنودها في العراق! معضلة بيونج يانج: هذا هو العنوان الذي تناولته افتتاحية مجلة "ذي إيكونومست" في عددها الأخير. فقد أشارت إلى ما ورد في خطاب الرئيس بوش الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 24 سبتمبر الجاري، فيما يتعلق بأهمية يقظة العالم ومنعه لخطر الانتشار النووي. ولاحظ المقال أن بوش فشل حتى اللحظة التي ألقى فيها خطابه، في وضع حد للخطر النووي الإيراني، الذي يسود اعتقاد الكثيرين بأن له أهدافاًَ عسكرية ترمي بها طهران إلى تطوير قنبلتها النووية. بل عجز بوش عن إنجاح الصفقة النووية التي أبرمها مع بيونج يانج، عبر المفاوضات السداسية التي ضمت كلاً من كوريا الشمالية، الولايات المتحدة الأميركية، الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، وروسيا. فبعد يوم واحد من خطاب بوش المذكور أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، منعت كوريا الشمالية المفتشين الدوليين من الدخول إلى موقع مفاعل "يونجبون" النووي، قائلة إنها تنوي استئناف تشغيله خلال مدة أسبوع من ذلك التاريخ. وكما هو معلوم، فقد ترتب موقف بيونج هذا على خلفية رفض واشنطن رفع اسم كوريا الشمالية من قائمة الدول الإرهابية التي تعدها وزارة الخارجية الأميركية. ومهما وجهت الانتقادات إلى امتناع أميركا عن رفع اسم بيونج يانج من تلك القائمة، إلا أن الحقيقة هي أن الأخيرة لم "تنظف" بيتها بعد من الأنشطة النووية السرية، وأنها لن تكف عن ممارسة الضغوط والابتزاز الدبلوماسي والسياسي على واشنطن بل الغرب عموماً، حتى ترغمه على غض الطرف عن أنشطتها السرية هذه. وهنا تكمن معضلة التعامل مع بيونج والتصدي لأزمتها النووية. أزمة "براون" الوزارية: عن هذه الأزمة، نشرت صحيفة "ذي إندبندنت" افتتاحية عددها ليوم الاثنين الماضي، جاء فيها إن أعضاء وزارة "جوردون براون" الحاليين بدوا أكثر تذمراً وتشككاً مما كانوا عليه في بداية انعقاد مؤتمر حزب العمال الأخير. ومع سيادة مزاج كهذا بين غالبية وزراء المجلس الحالي، فإن من المؤكد أن تضيق مساحة المناورة السياسية المتاحة لجورون براون في إعادة التشكيل الوزاري المرتقبة الأسبوع المقبل. وبدا أكثر وضوحاًًًًًًًًًًًً من ذي قبل أن "براون" قد خسر ولاء عدد كبير من وزرائه له. إعداد: عبدالجبار عبدالله