الاكتشافات المتوالية لما يعرف بمحافظ توظيف الأموال الوهميّة بدأت فعلياً في شهر أبريل الماضي، وبات مسمّى "المحفظة الوهميّة" مطروحاً ومتداولاً على الساحة الإعلامية بقوة، مما يعني بالتبعية أن الوعي بخطورة مثل هذه الأنشطة وضرورة الحذر تجاهها قد بلغ مستوى معيّناً لدى قاعدة عريضة من الجمهور، ومع ذلك لم تزل "الاكتشافات" تتوالى، وآخرها إعلان إدارة التحرّيات والمباحث الجنائية في شرطة أبوظبي عن محفظة وهميّة جديدة استولى مديرها على مبالغ تقدّر بنحو 320 مليون درهم من 1300 ضحية بزعم متاجرته في الإلكترونيات. "مسلسل" المحافظ الوهميّة بات ينافس المسلسلات المكسيكية في "الإطالة والتكرار"، وسيناريو أحداثه يشابه ما حدث في دول عدّة قبل سنوات، مع فارق أن الجهات الأمنية في الإمارات تصدّت مبكراً لهذه الممارسات بالفاعلية التي تستحق، وكشفت عنها بشفافية ساهمت في منع تمدّدها، والحدّ من "توابعها". اللافت للنظر في معظم ملفات المحافظ الوهميّة أن وراء كل "حالة" منها تفاصيل تبدو مختلفة نسبياً عن نظيراتها من الحالات، ولكن لهذا الاختلاف معنى ودلالات تستحق الوقوف عندها ملياً؛ فعلى سبيل المثال جاءت الواقعة الأخيرة في ملف المحافظ الوهميّة لتكشف عن جانب مهم يتمثّل في هذا الكم الهائل من "المجازفة" التي تفوق الوصف من جانب ضحايا هذه المحفظة، التي أوهم صاحبها ضحاياه بأنه يعمل وفق مبدأ "المرابحة"، ومع ذلك أقنع هؤلاء الضحايا بالتوقيع على عقود واشتراطات بعدم المطالبة بودائعهم "كاملة" حال خسارة الاستثمارات المزعومة! للوهلة الأولى كان يتعيّن على هؤلاء الضحايا إدراك معنى التوقيع على شروط كهذه، وأنها تعكس نيّة مبيّتة للإضرار بهم وابتلاع أموالهم! والأهمّ من ذلك أن التوقيتات الواردة في البلاغات المقدّمة للأجهزة الأمنية عن هذه المحفظة تفيد بأن هناك من تورّط فيها في فترة أعقبت الكشف عن سلسلة من المحافظ الوهميّة وتقديم أصحابها إلى القضاء في الأشهر الماضية. أرقام الضحايا والإيداعات في هذه المحافظ الوهميّة تتضخّم بشكل لافت للنظر، وظهور المزيد من هذه المحافظ بمرور الوقت ربما يوحي بأن هناك محافظ غير مرخصة لم تزل تعمل والمساهمون فيها صامتون إمّا انتظاراً للانسحاب بحذر من هذه الأنشطة وإمّا خوفاً على مصير أموالهم، وفي الحالتين فإن تحدّي استئصال مثل هذه الأنشطة الوهميّة يبدو قائماً ويتطلّب تضافر جهود جميع الجهات المعنية من أجل الكشف عنه واستكشاف أبعاده وحجم تغلغله بين الجمهور. في جميع الأحوال، لا يمكن إلقاء مسؤولية استمرار نشاط بعض هذه المحافظ الوهميّة على الجهات المعنية فقط، فالمسؤولية بالأساس تقع على الباحثين عن الثراء السريع حتى لو عبر المجازفة بالتوقيع على عقود تفتح الباب من البداية أمام ضياع مدّخراتهم؛ صحيح أن ضعف الرقابة ساهم بشكل ما في انتشار المحافظ الوهميّة، ولكن يظلّ إغراء الربح الوهمي الهائل في وقت قياسي هو السبب الرئيسي المباشر وراءها. الدرس المهم أن على الجهات المعنية الانتباه إلى إمكانية ظهور جيل جديد من المحتالين في ظلّ ظروف تذبذب أداء البورصات المحلية والعالمية والضبابية التي تكتنف اتجاهات الاقتصاد العالمي، ما يوفر الفرصة أمام مغامرين جدد للبحث عن ضحايا آخرين، والأمر يتطلّب أيضاً دراسة العلاقة بين القروض وهذه المحافظ الوهميّة، حيث يشيع بعضهم أن من بين الضحايا مقترضين وقعوا تحت ضغط الأقساط ومن ثم لجأوا إلى المجازفة بالبحث عن أعلى عائد لأموالهم لسداد الأقساط من دون النظر إلى حجم المجازفة الخطرة بضياع أموالهم، هناك أيضاً شقّ العقوبات على الذين يمارسون هذه الأنشطة الاقتصادية الوهميّة، حيث ينبغي تشديد العقوبات إلى أقصى درجة ردعاً لغيرهم، وحماية للاقتصاد الوطني. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية