من الآثار الخطيرة التي صاحبت سياسة النظام الدولي الجديد ومنظومة العولمة وبخاصة "اقتصاد السوق والخصخصة"، اتساع مساحة الفقر في العالم وتركز الثروة في أيدي قلة من البشر، رغم الوعود الكثيرة الصادرة عن بعض الدول الكبرى ومجموعة المؤسسات الدولية، بوضع حد لهذه الظاهرة، حيث يلاحظ على تلك الحلول والطروحات أنها جميعاً فشلت (باعتراف غالبية المؤسسات الدولية وخبراء الاقتصاد) في تحقيق أهدافها، والسبب أنها اعتمدت على مدخل الأيديولوجيا الرأسمالية التي تنطلق من أن الغني هو المالك الحقيقي لماله وليس الله، وهو صاحب الحق الذي يتصرف فيه كيف يشاء وليس للفقير فيه إلا ما يقرره الغني نفسه. والوجه الآخر لهذا المفهوم هو الشيوعية التي كانت ترى أن علاج مشكلة الفقر لا يتم إلا بتحطيم طبقة الأغنياء ومصادرة أملاكهم وتحريم مبدأ الملكية الفرية. وقد أشار تقرير البنك الدولي الأخير إلى أن اتساع مساحة الفقر في العالم هو فشل واضح لتلك الحلول والتصورات، حيث ازدادت معدلات الفقر في العالم واقترب عدد الفقراء من 1.5 مليار شخص،25? منهم يعيشون على أقل من 1.25 دولار يومياً. النسبة الكبيرة من هؤلاء تنتشر في العالم النامي. كما ارتفع عدد الدول الفقيرة، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، من 25 دولة في عام 1971 إلى 63 دولة في عام 2008. وهذا التفاوت الحاد الذي أحدثته تلك السياسات يبدو واضحاً في ما أشارت إليه مجلة "فوربس" العام الماضي من أنه مقابل 900 شخص يستحوذون على 3.5 تريليون دولار من ثروة العالم، هناك ثلاثة مليارات إنسان يعيشون بأقل من دولارين يومياً. وحسب منظمة الأغذية والزراعة، فإن هناك 830 مليون إنسان على مستوى العالم وصلت بهم حالة الفقر إلى حافة الجوع، ويتوقع أن يرتفع عددهم خلال 25 سنة القادمة إلى نحو أربعة مليارات نسمة. والملاحظة الأكثر أهمية بالنسية لنا كعرب، هو ما أشارت إليه الإحصائيات من أن 40? من سكان العالم العربي يعانون من الفقر، بل إن دول الخليج التي تعد غنية بثروتها النفطية، دخلت هي الأخرى دائرة الفقر، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الفقر في هذه الدول وصلت إلى 15?. الإسلام والنظام الإسلامي وحده هو القادر على حل مشكلة الفقر، لأن الرؤية الإسلامية للمال واضحة تماماً، حيث إن المال في نظر الإسلام هو مال الله، هو خالقه ورازقه، وهو الذي يهبه لمن يشاء، أما الغني فهو مجرد مؤتمن على المال، يرعاه وينميه ويتصرف فيه وفقاً لأوامر الله حيث يقول القرآن الكريم: "وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه". المنهج الإسلامي في علاج الفقر منهج واضح ومتكامل، يجعل لكل فئة في المجتمع دوراً أساسياً في علاج هذه المشكلة؛ كما يحدد الإسلام دور الدولة ومؤسسات المجتمع الأهلي في علاج هذه المشكلة، فهو كذلك يحدد دور الأغنياء في هذا الأمر باعتبارهم مستخلفين على مالله في أرضه، ويحث على الاجتهاد في العلم لأنه مفتاح التقدم، ويرفع من قيمة العمل لأنه مفتاح الرزق، كما دعا المجتمع الإسلامي إلى الاهتمام بالفقراء والمساكين ورعايتهم، وتوعد من يهملون هذا الجانب بعقاب شديد في الآخرة. والتاريخ يشهد أن تطبيق المنهج الإسلامي على أرض الواقع كانت له نتائج غير مسبوقة، سواء كان ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الخلفاء الراشدين، أو المراحل التي جاءت بعد ذلك، حيث تم علاج الفقر من جذوره. والتاريخ أيضاً لم يعرف حتى الآن دولة دخلت حرباً من أجل حقوق الفقراء مثلما حدث في عهد الخليفة الأول أبوبكر الصديق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة عندما امتنع البعض عن دفع الزكاة.