في التصريحات التي نقلتها إحدى الصحف المحلية، مؤخراً، عن المتهم في إحدى قضايا توظيف الأموال الوهميّة والذي يخضع للمحاكمة حالياً، قال إن كثيراً من الذين أودعوا أموالهم في "محفظته الوهمية" كانوا "يحضرون أموالهم ويلقونها على الطاولة التي أجلس عليها في الفندق أو المجلس ويذهبون مباشرة من دون أن يكلّفوا خاطرهم الاستفسار عن وجهة هذه الأموال وكيفية استثمارها لأن همّهم الأساسي كان الحصول على عوائد مالية عالية في وقت قصير وبقدر المستطاع دون التفكير في طبيعة المشروعات المستثمرة أو حجمها". هذه التصريحات تكشف عن أمرين على درجة كبيرة من الخطورة والأهميّة في هذه القضية: أولهما غياب الوعي الاستثماري لدى بعضهم حتى إنه يذهب ليلقي بأمواله في محفظة استثمارية وهميّة دون أن يعرف عنها شيئاً ودون أن يتأكّد مما إذا كانت مرخّصة أم لا أو أن القانون يسمح بها أصلاً أم لا؟ غياب هذا الوعي هو الذي ساعد على ظهور هذه المحافظ وضاعف قدرتها على جمع عشرات الملايين من الدراهم في فترات وجيزة، حيث استطاع صاحب "المحفظة الوهميّة"، والذي أدلى بالتصريحات السابق الإشارة إليها، أن يجمع أكثر من 400 مليون درهم. الأمر الثاني هو سيطرة فكرة الربح السريع لدى الكثيرين، وهذه الفكرة هي التي تدفعهم إلى الوقوع في شراك عمليات النصب والاحتيال أياً كان نوعها أو الطريقة التي تتمّ بها وليس فقط "المحافظ الوهميّة"، في هذا الإطار فإن بعض "المحافظ الوهميّة" التي تمّ الكشف عنها، مؤخراً، كانت تلعب على هذا الوتر وتستغله بشكل كبير عبر طرح نسب أرباح عالية تصل أحياناً إلى 40 في المئة شهرياً حتى تغري الباحثين عن الربح الكبير والسريع بإيداع أموالهم فيها دون تفكير أو بحث أو تدقيق. المثير في الأمر أن أياً من الذين أودعوا أموالهم في هذه "المحافظ الوهميّة" لم يفكّر قليلاً حول طبيعة الوعاء الاستثماري الذي يضع أمواله فيه، وهل نسبة الأرباح الكبيرة حقيقية أم وهميّة، وما هي المشروعات التي تأتي بهذه النسبة؟ ومن الواضح هنا أن النسبة الكبيرة للأرباح لم تدع للمودعين وقتاً للتفكير أو طرح مثل هذه التساؤلات، على الرغم من أن هذه الأرباح كانت تقدّم إليهم بالأساس من رأس المال الذي دفعوه دون أي نشاط استثماري حقيقي! إن الباحثين عن الربح السريع من أي طريق، يمثّلون مشكلة ليس فقط لأنفسهم، من خلال احتمال تعرّضهم لعمليات الاحتيال والنصب المختلفة، وإنما للمجتمع كله، لأنهم هم أنفسهم الذين يضاربون في أسواق الأسهم ويسبّبون أزماتها، لأن الفكر الاستثماري الحقيقي متوسط أو طويل الأجل غائب عنهم، لذلك فإنه لا بدّ من العمل على منعهم من الإضرار بالاقتصاد الوطني من ناحية أو الوقوع ضحية لعمليات الاستثمار الوهميّة من ناحية أخرى. وتمثّل التوعية مدخلاً أساسياً في هذا الخصوص، ولا شكّ أن نجاح السلطات المعنية في ملاحقة أصحاب المحافظ الوهميّة والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة والكشف عن حقيقة احتيالهم، من شأنه أن يرفع درجة الوعي في المجتمع بمخاطر الانجرار نحو أي مصدر لتوظيف الأموال أو "استثمارها" دون تمحيص كافٍ ودقيق في طبيعته وموقفه القانوني ومجالات عمله؛ لكن يتبقى دور أساسي للإعلام من أجل تغذية الوعي والتحذير من خطورة هذه الممارسات، كي لا يعود المغامرون بعد فترة زمنية قد تطول أو تقصر أو، بالاستعانة بطرق وحيل مبتكرة، إلى جولة جديدة تستنزف أموال الباحثين عن الثراء السريع. ــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.