عندما اجتاح عشرات الألوف من الجنود والعربات المدرعة الروسية بلدنا الشهر الماضي، احتشد المجتمع الدولي بأسره لمساندتنا. ولو كانت جورجيا دولة أتوقراطية من بين الدول المتاخمة لروسيا، لما كان من المتوقع، أن يهرع العديد من قادة العالم إلى "تبليسي" للوقوف إلى جانب شعبنا. وهذا المظهر التضامني عزز من إيماننا، بأن بقاء جورجيا ذاته يعتمد على سعيها للتحول إلى مجتمع يزداد انفتاحا وديمقراطية على الدوام، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأسرة الدولية الحرة. والطريقة التي نستجيب بها لذلك، تعد ذات أهمية محورية لمستقبل الغرب.لقد كانت جورجيا دولة فاسدة وفاشلة، ولكنها تمكنت من تحويل نفسها إلى دولة ليبرالية واعدة خلال سنوات قليلة. لا نستطيع بالطبع أن ننكر أن ديمقراطيتنا لا تزال مشروعاً في طور التحقق، إلا أنها مع ذلك تمثل منارة في هذا الجزء من العالم الذي نعيش فيه والمحاط بالمصاعب والمخاطر. ونظراً لأن جورجيا تقع على مفترق طرق الطاقة، فإن وجود حكومة شفافة ومنفتحة فيها يعتبر الآن أمراً أكثر حيوية من ذي قبل. فضلاً عن ذلك، تنهض جورجيا كرمز على قدرة العالم الحر على الاستجابة بمضاء وعزم لمحاولات موسكو العنيفة لطي صفحة الديمقراطية، وإعادة ترسيخ إمبراطوريتها، والتحكم في مصادر الطاقة الأوروبية. وبمسارعتها إلى الاعتراف بـاستقلال منطقتين من مناطقنا وهما "أوسيتيا الجنوبية" و"أبخازيا"، أزالت موسكو حدوداً معترفاً بها دولياً، وتحدت منظومة السيادة، التي تعد دعامة أساسية من دعائم القانون الدولي، ولم تكتف بذلك بل عملت أيضاً على إخفاء التطهير العرقي التي قامت به هي ووكلاؤها. والتحدي المطروح على الغرب في الوقت الراهن، هو التصدي لروسيا دون اللجوء إلى تكتيكات عنيفة، لأن أفضل حماية لنا هي الأفكار والقيم التي تشكل دليلاً هادياً للأسرة الدولية برمتها. إن حكومتي تفهم أن الطريقة التي نُصَّرف بها أمورنا، يترتب عليها نتائج وتداعيات ليس بالنسبة لنا فحسب، ولكن أيضاً لحلفائنا، كما تدرك أيضاً أن إصرار روسيا على استخدام القوة قد حولها إلى دولة معزولة سياسياً ومكشوفة اقتصادياً. وإيماننا بالانفتاح ليس مجرد كلام مرسل. فعلى الرغم من الخراب الذي نتج عن الغزو الروسي، والذي تمثل في مصراع المئات، واضطرار ما لا يقل عن 200 ألف إلى النزوح عن ديارهم، حسب إحصائيات الأمم المتحدة بالإضافة إلى تعطل اقتصادنا، فإن حكومتي مصممة على وضع ما تؤمن به من قناعات موضع الممارسة. والشفافية يجب أن تبدأ بفهم الكيفية التي بدأت بها الحرب الأخيرة. لسنوات سعت روسيا إلى تشويه سمعة جورجيا، وحكومتي، مع القيام في نفس الوقت بعرقلة أي مفاوضات ذات معنى مع الانفصاليين. وكان ذلك جزءاً من حملة لإضعاف الدعم الدولي لجورجيا، وتمهيد الطريق لغزوها. فكما جاء في الأنباء، فإن روسيا بدأت في إجراء حشد عسكري مكثف في الربيع الماضي في منطقتي النزاع أي في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وهو ما شجع الميليشيات التي تعمل تحت أمرة موسكو في ذينك المنطقتين إلى شن هجمات مسلحة على قواتنا. بعد ذلك، بدأت روسيا غزوها في الساعات الأولى من فجر يوم السابع من أغسطس، بعد أيام من القصف المكثف الذي أدى إلى قتل مدنيين وجنود حفظ سلام جورجيين. في ذلك الوقت، أعلنت روسيا أن 2100 مدني أوسيتي جنوبي، قد لقوا مصرعهم على أيدي الجورجيين، وهو ما أجبر موسكو على "التدخل الإنساني". إن هذا لكذب صريح،تم فضحه من قبل منظمة"هيومان رايتس ووتش"( قدرت عدد القتلى بـ 44 فقط) وغيرها من المنظمات،كان الهدف منه هو إخفاء الدوافع الحقيقية لموسكو. في السابع عشر من أغسطس، دعوت وأنا أقف إلى جوار المستشارة الألمانية" إنجيلا ميركل" إلى إجراء تحقيق دولي في الأسباب الحقيقية للحرب، علما بأن حكومتي مستعدة لاقتسام كل معلومة، وكل دليل من الأدلة، مع جهات التحقيق، وهي مستعدة أيضاً لإتاحة إمكانية الوصول إلى كل شاهد يطلبه المحققون. إننا مستعدون لكل ذلك، فهل روسيا مستعدة كذلك؟ أما جبهتنا الثانية فيما يتعلق بالسعي للانفتاح والشفافية فتقع داخل الوطن. في هذا الإطار أعلنت الأسبوع الماضي عن سلسلة من الإجراءات الرامية لتعزيز الديمقراطية في جورجيا، من خلال منح أحزاب المعارضة دوراً مركزياً في عملية التخطيط الدفاعي والتخطيط من أجل إعادة البناء، والسعي أيضاً إلى تعزيز التعددية في وسائل الإعلام والمجتمع المدني، بما في ذلك منح أحزاب المعارضة المزيد من التمويل والمزيد من التواجد في هيئة الإذاعة العامة، والسعي إلى القيام بمبادرات من أجل جعل النظام القضائي أكثر استقلالية. ونحن ملتزمون بالشفافية مع شركائنا أيضا. ففي هذا المجال أقامت حكومتي آليات نشطة لضمان استخدام المساعدات السخية للغاية التي وعدت بها الولايات المتحدة- بشكل خاص- وكذلك أوروبا، واليابان، وكندا، وأستراليا وغيرها من الدول، بطريقة مسؤولة وقابلة للمحاسبة. والغرب من جانبه مطالب أيضاً بالتصدي لروسيا على أن يكون ذلك عن اقتناع. ليس بوسعنا السماح باستمرار ضم روسيا لـ "أوسيتيا الجنوبية" و"أبخازيا".. كما لا يمكن لنا السماح لموسكو بالاستهتار بوقف إطلاق النار الذي وافقت عليه كما قيل. لقد رحبت حكومتي بالقرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بتسريع عملية انضمام جورجيا للمؤسسات الأوروبية. ففي الأسبوع الماضي، سعدنا للغاية بأول زيارة رسمية يقوم بها إلى بلادنا وفد من "مجلس شمال الأطلسي" ونأمل في هذا الإطار أن الناتو سيمضي قدماً في بحث طلب العضوية الذي تقدمنا به للانضمام إليه. سنمضي، نحن الجورجيين، في بناء مستقبلنا الديمقراطي، وسوف نركز اهتمامنا في إطار ذلك على تعزيز مجتمع الدول الديمقراطية. العالم بأسره، يجب ألا يسمح لروسيا أو غيرها، بترسيخ مناطق نفوذها بطريقة تؤدي إلى حرمان الشعوب الحرة من حقها في المشاركة مع الدول التي تتشابه معها في الأفكار والمواقف. ــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"