سيبقى أهل الفكر والديانة في خصومة، حتى يتحول العلم إلى دين، والدين إلى علم، كما في علاقة الطاقة بالمادة، والشيطان بالإنسان، حين قال أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين. وحين وصل آينشتاين إلى دمج الحقيقتين في حقيقة واحدة هدأ الصراع إلى حين، وظهرت نبوءة العلم وخيبة الشيطان، وعرفنا سر سجود الملائكة لآدم. وحين يتحول الدين إلى علم، سيصبح عالمياً، كما في المضادات الحيوية، والكود الوراثي، والأشعة السينية. فأشعة روتنجن يطبقها الهندي والسيريلانكي لكشف الأجسام الغريبة والسرطانات، والمضادات الحيوية يأخذها كل من الروس والجورجيين وأهل أوسيتيا الجنوبية وهم يتقاتلون! وتحقق الجنائيون من الحامض النووي في جثث أبراج نيويورك من كذبة سبتمبر الكبرى. وهكذا فالناس في بورما وعند "بول بوت" و"الرفاق الثوريين" يقتلون ويقتلون، أما في استخدام الأسبرين والأشعة السينية وتناول المضادات الحيوية لمكافحة حرائق الحروب وجروحها المتقيحة فلا يتنازعون وكذلك يجب أن يكون الدين.. والله يدعو إلى دار السلام. وهذا الشيء ظهر واضحاً في موقف الكنيسة من رؤية العلم والعالم؛ فبرأت ساحة غاليليو، وتبنت نظرية الانفجار العظيم، وسمحت بالاطلاع على 4500 ملف سري من أيام المناكيد محارق محاكم التفتيش، وألحقتها بالاعتراف بنظرية دارون أنها خطة إلهية في خلق العالم. وحين افتتحت المدارس الابتدائية عندنا قال المشايخ: البنت كما قال أبو العلاء علموهن الغزل والنسج وخلوا القراءة والكتابة! فلما تخرج الجيل الأول من البنات من المرحلة الابتدائية هرع رجال الدين، وقالوا لا بأس بتعليم البنت شيئاً من الحروف تقرأ به الرسالة، وتفك به الخط، وتستفيد منه في قراءة أسماء الشوارع والمحطات والمدن.. فلما افتتحوا المرحلة المتوسطة، قالوا: معاذ الله إنها فترة المراهقة وإفراز الهورمونات والحيض وما شابه ودخول البنت هذه المرحلة مفسدة أي مفسدة! فلما تخرجت دفعات من بنات المرحلة المتوسطة، هرع رجال الدين بالفتوى المركبة الجاهزة، فقالوا: لا بأس من تدريس البنت حتى تنتبه لما حولها وتكتب إلى أمها رسالة وتقرأ كتاب علم وفقه مفيدين! فلما افتتحوا المرحلة الثانوية صرخ الفقهاء وزعقوا: محال معاذ الله! إنها فترة الشهوة والزواج ففيها مفسدة للبنت، وأي مفسدة! فلما تخرجت دفعات حصل ما حصل مع المرحلة الابتدائية والمتوسطة فأقروا وسمحوا ورفعوا المحظور والفرامل! ثم جاءت معركة المرحلة الجامعية فصاحوا وشهقوا: كيف تجلس بناتنا في نفس الصالة مع الشباب، لقد ضاعت البنات وخرجت إلى الشارع ولا رجعة للبيت! وما ينطبق على التدريس يمكن نسخه وتكريسه في كل المجالات.. دوماً رأي متأخر.. رأي لاحق.. رأي يشبه الذهاب إلى عرفة في الحج الأعظم والناس راجعون منها!! وما فعلته الكنيسة مع نظرية دارون لا يخرج عن هذا السياق، وهو يقول إن الفكر الديني الدوغمائي (الوثوقي) لا يمكن أن يجتمع مع الفكر العلمي، ومن زعم وآلف ولفق فقد ضل ضلالًا مبيناً، ما لم تنقلب صيغة العلم إلى دين، والدين إلى علم.. وفي هذا يحاول أصحاب اتجاه الإعجاز العلمي قلب المائدة، حين يريدون من العلم أن يسلم زمامه لطائفة من الفقهاء تعيش أيام بيعة القاهر لعباده المنصور البيمارستاني من المماليك البرجية. وحين يصبح الدين علماً يصبح عالمياً.. مثل المضادات الحيوية والكود الوراثي والكوارك في بناء الذرة والانفجار العظيم والفيمتو ثانية وعالم الإلكترون ودورة الفلك.. وإلى حين هذا التحول؛ فسيبقى العالم متفجراً مشحوناً بين تيارين؛ علماني بدون أخلاق، ومتدين بدون عقل. وهو وضع يشبه مصح الأمراض العقلية، إلا قليلا. وهذا هو حال العالم اليوم من بوش وكوندوليزا، إلى بن لادن والظواهري، إلى أولمرت وتسيبي.