يبدو أن الشعب الإيراني بات يسدد فاتورة أخطاء سياسات قادته الخارجية، فحوالي ربع سكانه يعيش تحت خط الفقر حسب البنك المركزي الإيراني. ومشكلة النظام السياسي في إيران تكمن في أنه رغم أن ما يضخه من أموال على شراء أسلحة لبعض الجماعات السياسية من أجل الإمساك بأوراق استراتيجية في العديد من المناطق في العالم أوضحُها في المنطقة العربية مثل "حزب الله" في لبنان وحركة "حماس" الفلسطينية، والعمل على استغلال الأزمات القائمة في لبنان وفلسطين، إلا أننا نجد أن الشعب الإيراني، الذي تصرف أمواله في الخارج، يعيش تحت خط الفقر ويعاني البطالة والتضخم. ليس سراً بل هو أمر يعرفه الكل، أن النظام الإيراني يدفع أموالاً كثيرة من أجل شراء بعض السياسات في المنطقة العربية وبعض الدول الأفريقية الملتهبة، وتوظيف تلك الجماعات لأجل خدمة مصالحه السياسية، وقد بانت شراءات إيران مؤخراً بشكل لافت خاصة في لبنان وفلسطين والعراق وهي تغدق الأموال بشكل كبير، والغريب أن يحدث هذا في وقت أعلن فيه البنك المركزي الإيراني أن حوالي 14 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر. بل إن بعض التقارير الدولية المستقلة تقول إن الرقم الحقيقي يفوق ذلك الرقم المعلن وهو قابل للتصاعد على اعتبار أن شراءات الولاءات لإيران مستمر. إذا كانت إيران قد تمكنت سياسياً في بعض المناطق من العالم العربي سواء في لبنان، اليمن، الصومال، العراق، فلسطين، وجزر القمر، أو أفريقيا، لتوسيع نفوذها السياسي، وهي تحاول أن تفعل ذلك في منطقة الخليج منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، فإن ما نراه الآن من تبديد لأموال الشعب الإيراني -الذي يعيش حوالي 8 ملايين منه مشردين- يكون النظام قد نسي دوره الذي قامت على أساسه الثورة وهو إنقاذ الشعب الإيراني الفقير. وبذلك يكون هذا النظام الذي لا زال يحكم إيران، إما قد خانَ مبادئ الثورة وأهدافها، التي أعتقد أن أحدها ضمان مستوى معيشي مقبول للشعب الإيراني، أو أن رجال الثورة تاجروا بمصالح شعبهم، واتخذوا منها ستاراً لتحقيق أهدافهم، كما فعل ويفعل معظم الثوار في دول العالم الثالث. المؤشرات تؤكد أن النظام الإيراني يبدد أموال شعبه في الخارج من أجل سياسات لا تفيده بقدر ما تضر شعبه في الداخل، وللعلم فإن برنامج أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية كان من أجل تحسين وضع الفقراء في إيران. والرغبة في استمرار الخلافات مع الخارج تؤكد أن مشكلة النظام الإيراني هي في عدم التركيز على ضمان حياة كريمة للشعب الإيراني، فالتركيز انصب بعد نجاح الثورة على تصديرها إلى الخارج، ما أدى إلى نسيان الداخل الإيراني حتى ترك "السوس" ينخر الداخل، فانتشر الفقر والبطالة وزاد التضخم، ومع ذلك نجد إصراراً على التمسك بالشعارات السياسية، والإنفاق على البرنامج النووي مستمر، وكأن اهتمامات الشعب الإيراني تختلف عن اهتمامات شعوب العالم، فصار البرنامج النووي وخوض الحروب وشراء الولاءات أهم من لقمة العيش وزيادة دخله. والحال أن الوضع الاقتصادي الحالي لدولة نفطية كبرى مثل إيران هو نتيجة طبيعية لدولة لا تهتم بشعبها وباحتياجاته بقدر ما هو واضح مما تنفقه من أجل تسليح أحزاب عابرة للقارات ومنظمات سياسية في الجوار لزعزعة الاستقرار، ومن أجل الحصول على نفوذ سياسي في تلك الدول. وهو في الحقيقة دليل ضعف النظام، وليس دليل قوة، باعتبار أن قوة أي نظام في خوض صراعات سياسية خارجية إنما تتم بتقوية الجبهة الداخلية. إن أخطاء النظام السياسي الإيراني وطموحاته السياسية خارج حدود إيران وصلت بالوضع الاقتصادي إلى ما جاء في تقرير البنك المركزي الإيراني، بل إن الوضع يسير نحو الأسوأ، وللعلم فقط فإن إيران توزع سنوياً منحاً على الجماعات المؤيدة لها تقدر بنحو خمسة مليارات دولار، وهو أمر غير جيد، وبهذا الرقم، ما يدلل أن الشعب الإيراني لن ينال من سياسات الإنفاق لخارج دولته سوى الفقر والشعارات. ولذا فإن تفاقم رقم الفقراء ونسبة البطالة ورقم المشردين في إيران يمكن اعتبارها كلها دعوة للمسؤولين الإيرانيين من أجل إعادة ترتيب الأوضاع بالشكل الذي يجعل مصلحة الشعب الإيراني في مقدمتها بدلاً من الشعارات.