يرى كثير من الخبراء والمراقبين أن العالم يعيش عصر الأزمات، الاقتصادية والطبيعية والأمنية وغيرها، ولذلك فإن هناك ضرورة كبيرة لبناء استراتيجيات مواجهة فعّالة تقوم على ركنين: الأول اتخاذ الإجراءات والتدابير التي تمنع التأثر السلبي بهذه الأزمات وتقليل خسائرها إلى أقل حدّ ممكن. والثاني المواجهة الفاعلة والناجحة لأي أزمة في حال حدوثها. وخلال الفترة الأخيرة كثرت الهزات الزلزالية في دول مجاورة مثل إيران، حيث تتأثر بهذه الهزّات مناطق في دولة الإمارات العربية المتحدة لعلّ آخرها الهزّة التي ضربت جزيرة "قشم" الإيرانية في مياه الخليج وبلغت قوتها 6.1 على مقياس "ريختر"، وشعر بها السكان في معظم إمارات الدولة وليس الإمارات الشمالية فقط، كما كان يحدث في الماضي. في ضوء ذلك خرجت مطالبات بضرورة أخذ خطر الزلازل في الاعتبار في أي رؤية استراتيجية للأخطار المحتملة التي تتهدّد دولة الإمارات، خاصة في ظلّ النهضة العمرانية الكبيرة التي تشهدها البلاد ويتم استثمار مليارات الدولارات فيها. وعلى الرغم من أن بعض إمارات الدولة مثل أبوظبي ودبي تحرص على أخذ معايير مقاومة الزلازل في المباني خاصة منذ التسعينيات، في الاعتبار، فإن هذه المعايير لا يتم تطبيقها أو الالتزام بها في مناطق أخرى من الدولة، ولذلك فإن هناك أصواتاً ودعوات وطنية جادة تطالب بضرورة وضع قانون اتحادي شامل يلزم بضرورة مراعاة معايير مقاومة الزلازل في مختلف المباني. ضمن هذا السياق أيضاً جاء إعلان أحد خبراء الزلازل في "المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل"، مؤخراً، عزم المركز على إنشاء مختبر متخصّص في "الهندسة الزلزالية"، سيكون الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، على أن يتم الانتهاء من إنشائه خلال السنوات الثلاث المقبلة. ولاشكّ في أن هذه الخطوة تمثّل تحرّكاً مهماً ومتقدّماً في مجال بناء خطط المواجهة الاستباقية لأي خطر زلزالي، خاصة أن هذا الخطر يتّسم بالعديد من السمات التي تجعل من الإجراءات الاستباقية أكثر أهميّة من الإجراءات اللاحقة، وأهم هذه السمات أنه خطر فجائي ولا يمكن منع حدوثه على الرغم من كل التقدّم العلمي الذي يشهده العالم. إن بناء خطط المواجهة الاستباقية والالتزام بمعايير محدّدة في المباني لمقاومة الزلازل هو الذي يجعل دولاً في العالم تعيش في حزام الزلازل وتتعرّض بشكل متكرّر لخطرها بدرجات كبيرة دون أن تتعرّض إلى خسائر كبيرة مادية أو بشرية، بينما يكون الزلزال بمنزلة كارثة في دول أخرى حتى لو كان في درجاته الدنيا. إن الثروة العقارية الكبيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، تحتاج إلى الحفاظ عليها في مواجهة أخطار الطبيعة، وفي مقدّمة هذه الأخطار الزلازل، ومن الواضح أن هناك وعياً بهذه المسألة على الساحة الإماراتية تتزايد مساحته باستمرار، وذلك ضمن إطار عام من الاهتمام بقضية إدارة الأزمات والحرص على إنشاء الهياكل المستقرة الخاصة بها وتعميق التعريف بجوانبها المختلفة عبر المؤتمرات والندوات وعمليات التدريب والمحاكاة وغيرها من الأمور التي ترفع من كفاءة الأجهزة المعنية في الدولة في استباق الأزمات والكوارث والاستعداد لها ومواجهتها المواجهة الفاعلة.