الدراسة التي أعدها معهد "بيو" للأبحاث في واشنطن، ونقلتها قبل أيام وكالة الصحافة الفرنسية، متحدثة عن انحسار أعداد المسلمين المؤيدين للأعمال الانتحارية وزعيمها أسامة بن لادن، في مقابل ازدياد السلبية في مواقف الأوروبيين من المسلمين، قد تبدو للبعض بأنها نتيجة إيجابية بالنظر إلى ازدياد أعداد مكتشفي حقيقة بن لادن ومنهجه الانتحاري. غير أن الموضوع لا يقف فقط، عند إيجابية اتساع رقعة المعارضين للعمليات الانتحارية التي تنسف ديننا من دين شامخ بانفتاحه وتعامله مع الآخرين، وسماحته، لتتحول كل هذه القيم قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، وتحل بدلاً منها قيم القتل والتفجير والانتحار، وكأن الإسلام دين موت لا دين حياة. إن الإشكالية الحقيقية تكمن في نقطتين رئيسيتين؛ إحداهما: أن أعداد المؤيدين للأعمال الانتحارية، الداعمين لأسامة بن لادن، لا تزال كبيرة. وثانيتهما: أن المتحولين من تأييد بن لادن إلى الاعتراض على مشروعه الانتحاري، وأهدافه التي تقوم على الهدم، والتفجير، والقتل، لم يكتشفوا كمية الفساد في هذا المنهج إلا بعد مرور سبع سنوات عجاف على أحداث الحادي عشر من سبتمبر! فهل كانت الحقائق ملتبسة ضبابية إلى درجة أن يحتاج اكتشافها سبع سنوات من البحث والاستقصاء والدرس والتمحيص؟! وهل نحتاج كل هذا الدمار، وكل هذه الأنفس البريئة لتزهق تحت شعارات القاعدة، ومن شايعها، ومن استفاد من ثقافتها أو تعلم من منهجها يميناً وشمالاً، أو حتى ممن يحاول أن يرد على عنفها بعنف مماثل، كي نعلم أننا فقدنا كثيراً، وتألمنا ألماً مبرحاً، ولحق الأذى بنا جسدياً وفكرياً ومادياً ومعنوياً، وأصبحت الصورة التي ترد على ذهن معظم الناس عندما يرد الحديث عن الإسلام والمسلمين مرتبطةً بتهديدات أسامة بن لادن، التي تطل القنابل من طرفها، وخطابات أيمن الظواهري التي تقطر دماً؟! ثم عندما نتساءل هل انتهى المسلسل لنلتقط أنفاسنا، نجد تفجيراً في صنعاء، وآخر في باكستان، وحصاد العراق بالعشرات يومياً، وكأن يوم العراقيين، أعانهم الله، لا يكتمل دون قطاف الأرواح اليومي، ليتحول سقوط العشرات كل يوم إلى أرقام في نشرات الأخبار! هل كانت باكستان تحتاج إلى كل هذا العنف ليتراجع دعم العنف والانتحار وابن لادن 28 نقطة ليصل إلى 5 في المئة؟! ثم انظروا إلى نسب الذين لا يزالون يؤيدون، وتساءلوا معي هل نحن بحاجة إلى عشرات التفجيرات في كل بلد من بلداننا لتزداد نسبة الرافضين للعمليات الانتحارية؟ هل نحن في لبنان بحاجة كل يوم إلى عشرات المجموعات البن لادنية الهوى تظهر علينا في كل يوم وليلة ليتراجع عدد المسلمين الذين يؤكدون أن العمليات الانتحارية يمكن أن يكون لها تبرير بـ42 نقطة بين 2002 و2008. فيما كانت هذه النسبة قبل ذلك 72 في المئة؟! وكم نحتاج من الوقت ليتحول ثلث المسلمين اللبنانيين الذين يدعمون العمليات الانتحارية؟! وتأملوا أرقام الدعم لابن لادن، فهي وإن كانت تحمل انخفاضاً، إلا أنها لا تزال مقلقة. ففي إندونيسيا كان الداعمون لابن لادن ستة من أصل عشرة، ثم انخفضوا إلى واحد بين كل ثلاثة، وفي باكستان أصبح ثلث السكان يدعمون بن لادن بعد أن كان نصفهم يفعل ذلك. وهل الثلث قليل؟! أما في لبنان فقال اثنان في المئة إنهم يثقون في بن لادن، مقابل عشرين في المئة في عام 2003، وفي الأردن تراجع الدعم من ستين في المئة إلى تسعة عشر في المئة، وثلاثة في المئة بدلاً من خمسة عشر في المئة في تركيا! بقي أمامنا سبع سنوات عجاف أخريات... إن كنا محظوظين!