بعد يوم واحد على توليها زعامة حزب "كاديما" الحاكم، بدت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني مستعجلة على خلافة أولمرت في رئاسة الحكومة، إذ دعته إلى تنفيذ وعده بالاستقالة فوراً ليتيح لها البدء بتشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت. وقالت ليفني خلال أول اجتماع عقده الحزب تحت رئاستها، في مدينة "بتاح تيكفال" شمال شرق تل آبيب، حضره نواب ووزراء الحزب، إن "أمامنا دولة تتعين إدارتها، فلابد أن نعمل سريعاً... ليس لدينا وقت لنضيعه". وكانت ليفني قد خاضت يوم الأربعاء الماضي، معركة الانتخابات الداخلية على رئاسة "كاديما"، أمام ثلاثة مرشحين هم وزير المواصلات وقائد الأركان السابق شاؤول موفاز، ووزير الأمن الداخلي أفي ديختر، ووزير الداخلية مائير سيطريت، لتفوز بنسبة 43,1% من أصوات الناخبين، بينما حصل منافسها الأقوى، وهو موفاز، على 42%. وبتفوقها على منافسيها من الرجال، تتقدم ليفني نحو قمة الهرم السياسي لتصبح ثاني امرأة تتولى رئاسة الحكومة في إسرائيل... فهل تملك من خبرة الممارسة ما يؤهلها لهذا المنصب؟ يقارن كثيرون حالياً بين ليفني وبين غولدا مائير التي تولت حقيبة الخارجية الإسرائيلية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، قبل أن تتسلم رئاسة الحكومة في السبعنييات، حيث لقبت بـ"المرأة الحديدية”. لكن ليفني ترد بالقول: "لست غولدامائير الثانية بل تسيبي ليفني الأولى، وسأقود إسرائيل في المرحلة القادمة". لم تخف ليفني طموحها لرئاسة الحكومة، فقد بدأت حملتها منذ عام 2007 لتنحية أولمرت، عقب تقرير لجنة فينوغراد الذي انتقد أسلوب إدارته لحرب لبنان عام 2006. وفي سبيل ذلك استعانت ليفني بمستشارين لرئيس الوزراء السابق أرييل شارون، بينهم "أيال أراد" الذي أدار حملتها الانتخابية، وقدمها باعتبارها الوريث الشرعي لرئاسة "كاديما" وأحد مؤسسيه ممن صاغوا توجهاته العامة. وإلى ذلك استفادت ليفني من أصوات النساء اللائي يشكلن نسبة 45? من أعضاء الحزب البالغ عددهم 74680 منتسباً، ومن أصوات "السفاريدم" (اليهود الشرقيون) الذين يمثلون فيه نسبة 38?، واليهود الذين ولدوا في إسرائيل (16?)، وذلك لأن منافسها الرئيسي (موفاز) إيراني المولد، أما هي فمولودة في تل آبيب (عام 1958)، لعائلة يمينية آمنت بحلم "إسرائيل الكبرى”. وقد تحدثت ليفني إلى صحيفة "نيويورك تايمز" (يوليو 2007) عن نشأتها في كنف والديها البولنديين المهاجرين، إيتان وسارة، حين كانا ناشطين في عصابة "ارغون" المتطرفة، وذكرت أنهما تزوجا يوم إعلان إسرائيل لتصبح علاقتهما مرتبطة بذكرى ولادة الكيان الذي أسهما في تأسيسه! وقالت إنها ترفض التنازل عن شبر واحد من أرض "يهودا والسامرة"، احتراماً لوصية والديها اللذين أقنعاها بأن "يهوه" أعاد شعبه التائه إلى "أرض الميعاد"! واستفادت ليفني أيضاً من سجلها الخالي إلى الآن من فضائح الفساد التي طالما لطخت كبار المسؤولين والساسة الإسرائيليين، وآخرهم أولمرت. كما يبدو أن ناخبي "كاديما" نظروا بتقدير إلى الفترة التي أمضتها في "الموساد"، مما أكسبها هالة من الغموض، استغلتها لإقناع الناخبين بأنها لن تكون أقل حسماً وشدة من موفاز في مواجهة المخاوف الإسرئيلية من "حزب الله" و"حماس" وإيران. ومن الواضح أن ليفني اكتسبت خبرة خلال توليها وزارة الخارجية، وقد لعبت دوراً مهماً في المفاوضات التي أدت إلى استصدار القرار الأممي رقم 1791 لإنهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006. كما قادت فريق المفاوضات الإسرئيلي مع السلطة الفلسطينية خلال السنوات الثلاث الماضية. أما ليفني في مرحلة ما قبل الوزارة، فقد أدت الخدمة العسكرية برتبة ملازم، ثم درست القانون في جامعة تل آبيب، لتلتحق بين عامي 1980 و1984 بجهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، دون أن يُعرَف الكثيرُ عن نشاطاتها الاستخباراتية، سوى أنها عملت في الإدارة القانونية للجهاز، وتطلبت بعضُ أنشطته إقامتها في باريس لتُعرفَ هناك بـ"حسناء الموساد". والرائج في بعض الأوساط الإسرائيلية أن ليفني كانت طالبة ذكية ونشطة ومولعة بالرياضة وواثقة من نفسها، كما أنها جذابة ومليئة بالأنوثة (خلافاً لغولدا مائير)، وتتميز بقدرتها على الإصغاء والإجابة، ولها الجرأة على مواجهة الأزمات... وإن أَخَذ عليها بعضُهم "سقطاتُ" لسانها أحياناً. ويأخذ الإسرئيليون على ليفني أيضاً قلة خبرتها في الشؤون الأمنية والسياسية، فقد دخلت الحياة السياسية متأخرة، وذلك حين فازت ضمن قوائم "الليكود" في انتخابات الكنيست عام 1999، فاحتلت مكانها في دائرة المقربين من شارون الذي أسند لها في عام 2001 أول منصب وزاري في حياتها، وهو حقيبة التعاون المحلي، ثم حقيبة الزراعة، فوزارة الاندماج واستيعاب المهاجرين الجدد (2003)، قبل أن تجد في العام التالي "منصب أحلامها" حين أصبحت وزيرة للعدل. وأظهرت ليفني إخلاصها لشارون، وحين قرر مغادرة "الليكود" في نوفمبر 2005، انضمت إليه وشاركته في تأسيس "كاديما". كما دعمت خطته للانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، وسهلت إقرارها من جانب الحكومة، فيما يعد تحولاً عن أفكارها اليمينية المتشددة. وبعد إصابة شارون بجلطة دماغية عام 2006، تردد أن ليفني ستكون خليفته، لكنها دعمت أولمرت ليعينها نائبة له ووزيرة خارجيةٍ، كأول إسرائيلية تتولى تلك الحقيبة بعد مائير، وإذا ما استطاعت الآن تشكيل الحكومة فستكون المرأة الأولى بعدها أيضاً في هذا المنصب. وبعد أن قدم أولمرت استقالته خلال الساعات القادمة، فسيكون على ليفني أن تؤمن أغلبية نيابية لتأليف حكومتها خلال 42 يوماً، وإلا فستكون هناك انتخابات عامة قبل موعدها الأصلي، وهذا ما تريده المعارضة بزعامة نتانياهو. لكن لتشكيل الحكومة والحيلولة دون الدعوة لانتخابات مبكرة، يتعين على ليفني خوض مفاوضات شاقة مع حزب "العمل" والأحزاب الدينية الصغيرة. وحتى لو استطاعت إدارة مفاوضات ناجحة مع هذه الأحزاب، فسيكون عليها مواجهة الانقسامات الحالية داخل حزبها، والتعامل مع ملفات الاقتصاد، والمفاوضات، و"التهديدات" الإقليمية... وفق عقلية "التغيير" الجديدة، كما وعدت لفيني ناخبيها، وليس على خطى السياسات الحديدية لغولدا مائير! محمد ولد المنى