إن دلت الأحداث التي وقعت خلال الأيام القليلة الماضية على شيء ما، فربما كان هو إنه لم يعد بوسعنا تصديق أي كلمة مما يقوله المرشحان الرئاسيان باراك أوباما وجون ماكين، عما سيفعلانه في حال وصول أي منهما إلى البيت الأبيض اعتباراً من العام المقبل. والسبب ليس هو أنهما يكذبان علينا فيما يقولان، وإنما لأن كل ما بنى عليه المرشحان وعودهما، قام في الأساس على افتراض أن اقتصادنا القومي بخير، وهذا ما لم يعد صحيحاً الآن. وهما يدركان أن اقتصادنا بات بحاجة ماسة للإصلاح وتحسين الأداء. وعلى وجه الخصوص كان أوباما واضحاً جداً في حديثه عن معاناة قطاعات كبيرة من أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض من الأميركيين، وأن هذه الفئات أصبحت بحاجة إضافية للمساعدات الحكومية. أما منافسه "الجمهوري" جون ماكين، فكان أقل تحفظاً في الحديث عن هذه المشكلات، مخافة أن يلحق الضرر بسياسات الرئيس بوش وحزبه "الجمهوري" الذي يمثله ماكين في السباق الانتخابي الرئاسي الجاري. لكن ومع ذلك فّإنه ليس مرجحاً أن يكون أي من المرشحين الرئاسيين قد تمكن من رؤية المشكلات الاقتصادية المتفاقمة التي حلت ببلادنا وأصبحت واضحة للعيان مؤخراً. وبسب هذه المشكلات ينهمك الآن عدد من كبار المسؤولين الفيدراليين في استحداث وكالة جديدة شبيهة بشركة Trust Corporation التي سبق إنشاؤها من قبل بهدف شراء كافة الديون المعسرة وشطبها من موازنات البنوك الأميركية. وبتلك الطريقة تمكنت الشركة المذكورة من "تنظيف" الفوضى التي خلفتها الديون والادخارات في بدايات تسعينيات القرن الماضي، بتكلفة مالية بلغ قدرها حوالي 125مليار دولار. وبالمقارنة يتوقع أن يكلف تنظيف الفوضى المالية الحالية مبالغ أكبر من ذلك بكثير. ومعنى هذا أنه ليس في وسعنا تمويل خطط الإنفاق والضرائب التي يتبناها أي من المرشحين. فالأموال التي يعتزم أوباما تقديمها في شكل مساعدات اقتصادية للفقراء، سوف نحتاجها للإنفاق على تنظيف الفوضى المالية الحالية. وبالقدر نفسه سوف يستحيل تطبيق سياسات الخفض الضريبي المعلنة من جانب منافسه "الجمهوري" جون ماكين. ذلك أن الحكومة الفيدرالية سوف تحتاج إلى عائدات جديدة وبأسرع ما يمكن. وليس في وسعنا الاستمرار في خفض المعدل الضريبي، وكأن لا وجود البتة لعجز الموازنة الفيدرالية. والمشكلة الرئيسية التي يواجهها اقتصاد بلادنا هي الإفراط في الدين. ولحل هذه المشكلة فلا بد من شد الجميع لّأحزمتهم على البطون، بما فيهم المعنيون بالحكومة الفيدرالية التي ينبغي عليها ترتيب بيتها المالي الداخلي، حتى تمكن القطاع المالي من استرداد عافيته. وعلى الناخبين الضغط على ماكين وأوباما لإرغامهما على التخلي عن سياسات الإنفاق والضرائب التي يناديان بها حالياً، مع ضرورة تبني كل واحد منهما لسياسات بديلة، تضع حقائق الواقع الاقتصادي في عين الاعتبار. والواجب ألا تكون هذه السياسات مجرد تعميمات سياسية مبهمة، بل ينبغي لها أن تلزم الرئيس المقبل بسياسات تتسم بواقعية الإنفاق وزيادة الضرائب، بدلاً من خفضها. وندرك بالطبع أنه ما من مرشح واحد يستطيع أن يعد ناخبيه بالمعاناة في حال فوزه، بحكم أن هذا مما لا يمكن تصوره أو قبوله من أحد. بيد أن وضوحاً كهذا ليس مفترضاً فيه أن يكون قاتلاً من الناحية السياسية. ولنذكر بهذه المناسبة أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون وضع أمام الناخبين في عام 1992 قائمة مفصلة عن خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، ومع ذلك تم انتخابه بدلاً من إسقاطه. والخدعة هنا أن نحمل أوباما وماكين على تقديم مقترحات مفصلة بشأن كيفية إعادة هيكلة الميزانية، بحيث لا يعاقب أي منهما ظلماً بسبب تحليه بالأمانة. ومن حق الناخبين أن يدركوا ما إذا كان الرئيس المقبل يحصر تفكيره في زيادة الضرائب المفروضة على الأغنياء باعتبارها حلاً وحيداً، أم أنه يأخذ بحلول شاملة لتخفيف الضغط الحالي على الخزانة العامة، بغية حل مشكلاتنا المالية. وهذا ما يساعد الناخبين على فهم طبيعة و نوايا الرئيس المقبل، وما إذا كان جاداً أم أنه لا يتحلى بالنزاهة ولا الجدية إزاء حل هذه المشكلات. وعليه فإنه سوف يكون من المفيد لكلا المرشحين الرئاسيين فيما لو عملا على أسس معيارية اقتصادية واحدة، تهدف على سبيل المثال إلى خفض العجز في الموازنة العامة بمعدل 1 تريليون دولار في غضون السنوات العشر المقبلة. وفيما لو أراد أحدهما رفع الضرائب بمعدل 1 تريليون دولار -مثلاً- فإن عليه أن يوضح للناخبين ذلك ويطلعهم على الكيفية التي ينوي بها تحقيق هذا الهدف. وبالمثل عليه أن يوضح لنا كيف يمكن الحصول على عائدات ضريبية مقدارها 1 تريليون دولار، دون التأثير سلباً على مستوى حياة الطبقات المتوسطة والعمالة المنخفضة الأجر. وإذا ما اعتقد أحدهما أن في الإمكان خفض حجم الإنفاق بنفس المبلغ أعلاه، فإن عليه أن يوضح لنا الكيفية التي يمكن بها تحقيق ذلك. وفيما لو اعتقد أنه هدف ممكن التحقق دون أن يؤثر كثيراً على بعض البرامج الأساسية الواسعة الشعبية بين المواطنين، مثل برنامج الرعاية الصحية، فإن من الواجب عليه أن يوضح لنا كيف يمكن فعل ذلك؟ غير أن الرد على هذه التساؤلات جميعاً، إنما يتطلب تنسيق الجهود بين عدد من مؤسسات البحث والدراسات المتخصصة في وضع الخطط والسياسات الكفيلة بضمان نزاهة وواقعية تلك الخطط. وفي الواقع فإن خفض العجز في الموازنة العامة بذلك المقدار الذي ذكرت آنفاً، إنما يتطلب تعدداً في الزيادات الضريبية وخفض الإنفاق معاً. والأرجح أن تكون النسبة بين الاثنين هي 50?-50?، مع ترك حفظ التوازن بين طرفي المعادلة لكل من المرشحين. والواجب على ماكين وأوباما أن يقدما خططاً اقتصادية واقعية وواضحة، وأن يطلعا الناخبين الأميركيين على ماذا سيحدث في حياتهم الاقتصادية اعتباراً من شهر يناير المقبل. بروس بارتليت ــــــــــــــــــــــــــــــــــ مساعد سابق لوزير الخزانة في السياسات الاقتصادية 1988-1993 وعمل محللاً رئيسياً بمكتب تطوير السياسات بالبيت الأبيض. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست".