من بين كافة النقاط التي أثارها المحللون المختلفون بشأن الاقتصاد خلال الأسبوع الماضي، كانت النقطة الأفضل بالتأكيد، هي تلك التي أثارها النائب" بارني فرانك" عندما ذكّرنا بالدعابة المفضلة للرئيس الأميركي الراحل "رونالد ريجان"، وهي قوله للحاضرين: "الكلمات التسع المثيرة للرعب في اللغة الإنجليزية هي: أنا من الحكومة... وأنا هنا كي أساعد"! هل لا زلتم تضحكون؟ ألا تعرفون أنه لولا إقدام الحكومة على إنقاذ "فاني ماي" و"فريدي ماك" و"آيه. آي. جيه"، وإنقاذ الناس من الإعصار "آيك"، وضخ أطنان من السيولة في شرايين النظام المصرفي... لكان اقتصادنا قد تمزق إرباً، ولكانت العبارة التي ستسمعونها اليوم عوضاً عن عبارة ريجان المازحة هي: "أنا من الحكومة... غير أني لا أستطيع أن أفعل لكم أي شيء على الإطلاق”. في عصر العولمة الذي نعيشه أصبحت الحكومات أكثر أهمية من ذي قبل. والحكومات الذكية والقوية البنية في عالم اليوم، هي تلك القادرة أكثر من غيرها على تمكين شعبها من المنافسة والفوز. لقد ذهبت مؤخراً إلى "ميشيجان" لإلقاء محاضرة عن الطاقة، ولا أستطيع أن أحدد لكم عدد بطاقات التعريف الشخصية التي تلقيتها من المبتكرين الذين قابلتهم، والذين كانوا ينقسمون إلى فئتين: فئة دشنت بالفعل مشروعاً لإنتاج الطاقة المتجددة، وفئة كانت تعمل في شركات كبيرة لحلول الطاقة النظيفة. لقد أكد لي هذا الكم من البطاقات، أن أميركا لا زالت تشكل معيناً لا ينضب من الطاقات الخلاقة ورواد الأعمال، وأنها لو حظيت بقيادة أفضل، لكانت قد استقرت فوق ذروة عالية لا يطالها أحد. ولو طُلبَ مني أن أرسم صورة لأميركا اليوم، لرسمت صورة لمكوك فضائي في لحظة إقلاعه، ومعه صاروخ معزز -يرمز لواشنطن- لكنه مشروخ ويتسرب منه الوقود، ورواد فضاء يتنازعون حول خطة الانطلاق. لو جمّعنا تفاصيل هذه الصورة، فسنصل إلى نتيجة مؤداها أن المكوك لن يستطيع تحقيق السرعة التي ستمكننا من اختراق المجال الجوي، والدخول في المدار التالي، أو الثورة الصناعية التالية العظمى، وهي ثورة الطاقة.الانتخابات الرئاسية القامة تدور، من نواحٍ عديدة، حول الكيفية التي يمكننا بها استعادة اتجاهنا الصحيح مرة أخرى كأمة. لقد كنا -وما نزال- نعيش على اقتراض الوقت والمال. فالرئيس بوش لم يعد لديه شيء يمكنه تقديمه لنا، أي لم يعد أمامنا سوى أوباما وماكين. فكروا كيف كان يمكن لوضع ماكين أن يصبح أفضل كثيراً مما هو عليه الآن، لو أنه كان رشح "مايكل بلومبيرج" كنائب له على تذكرته الانتخابية بدلاً من "سارة بالين". لقد كان يمكن لماكين حينئذ أن يقول: "أنا لست خبيراً في شؤون الأسواق، لكنني اخترت واحداً من أفضل الخبراء في هذا المجال كي يكون ضمن فريقي"، لكنه لم يفعل! إذن ما هو الشيء الذي يمكن أن يصدر عن ماكين ويجذب انتباهي؟ يمكن أن يحدث ذلك لو قال ماكين مثلا: أيها الأميركيون لقد قررت الآن ألا استمر في تطبيق سياسة التخفيض الضريبي التي كان بوش يتبعها، لأن الشيء الأهم بالنسبة لبلدنا الآن هو أن نعمل على تنظيم ميزانيتنا الحكومية السنوية، حيث لم يعد بمقدورنا أن نمضي في سياسة التخفيض الضريبي دون العمل في نفس الوقت على تخفيض انفاقنا. ثانياً: إنني أنوي سحب معظم القوات الأميركية من العراق خلال 24 شهراً حيث فعلنا كل ما في وسعنا هناك بل ارتضينا أن نؤدي وظيفة القابلة كي نساعد على ولادة الديمقراطية هناك، لكن العراقيين يريدونها جاهزة. ونحن الآن في حاجة إلى كل دولار للاضطلاع بعملية بناء الأمم ليس في العراق ولكن في الولايات المتحدة ذاتها. ما هو الشيء الذي سيعجبني سماعه من أوباما؟ ما رأيكم أن يتقدم أوباما ويقول: إن شركات إنتاج السيارات الثلاث الكبرى في الولايات المتحدة، وكذلك نقابة عمال السيارات المتحدة بحاجة إلى عملية إنقاذ من واشنطن... لكن الطريقة الوحيدة التي سيحصلون بها على سنت واحد من إدارتنا، هي أن يعملوا على الخروج بخطة مشتركة لإعادة تجديد وحداتهم وخطوطهم الانتاجية بحيث ينتجون لنا سيارات تستهلك 40 ميلا في الجالون بحلول عام 2015 بدلا من 35 ميلا في الجالون بحلول عام 2020 حسب الخطة التي قبلوا بها على مضض. ويمكن أن يمضي ليقول أيضاً: "أما قبولي بانقاذ النظام المصرفي فسيكون مقابل أن تقبل المؤسسات التي أدخلتنا في هذه الورطة بإجراء إصلاحات شاملة، سواء فيما يتعلق بالشفافية أو بالحدود التي يجب أن تفرض على كم النفوذ الذي يستطيعون مراكمته، كي نضمن أننا لن نمر ثانية بنفس المآزق". هذه هي نوعية الكلمات التي يمكن أن تسترعي انتباهي. وفي رأيي أن الرئيس الأخير الذي تحدى قاعدته الانتخابية هو بيل كلينتون، وذلك عندما أصلح منظومة الرفاه الاجتماعي، وحقق فائضاً في الميزانية من خلال نظام ضريبي عادل. أما بوش فلم يسبق له أبداً، ولا حتى مرة واحدة، أن تحدى الأميركيين وطلب منهم فعل شيء واحد جدي فقط وليس عظيماً! الرئيس الأميركي القادم لن تتوافر له مثل هذه الرفاهية... فسيجد نفسه مضطراً للطلب من كل أميركي أن يفعل شيئاً جدياً... وكل ما أريده هو أن أعرف فقط: من الذي سيتصدى لتلك المهمة؟ توماس فريدمان كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"