مع بداية سبتمبر الحالي استوقفتني كثيراً تصريحات المسؤولين الإيرانيين بأن أي هجوم على إيران سيشعل حرباً عالمية ثالثة، التصريحات تلك تأتي كردود أفعال على الضغوط الدولية المتزايدة التي تواجهها إيران من قبل المجتمع الدولي نتيجة للعديد من الممارسات السلبية التي تقوم بها حيال عدد من القضايا الساخنة، التي تدخل طرفاً فيها. فإذا كانت إيران تعي بأن تصعيد الأوضاع في المنطقة سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، فلماذا تنتهج هذا النهج المتشدد؟ أهي الرغبة في التصعيد لتحقيق أهداف محددة؟ أم هي الرغبة في لفت الانتباه إلى أهمية إيران كقوة إقليمية قادرة على طريقة خالف تُعرف، ونحن هنا! أم هي الرغبة في إشعال الشرارة لكي تندلع الحرب العالمية الثالثة؟ إذا عاد الإنسان إلى المنطق السليم، سيجد أن أي طرف يُدرك مدى خطورة أفعاله وتصرفاته سيتراجع عنها عندما يصل إلى نتيجة أن المسارات التي سيسلكها ستوصله ومن حوله إلى الكارثة، وسيعمل على تجنب تلك الكارثة بكل الوسائل الممكنة، لكن الملاحظ هو أن بعض الساسة في إيران يعلمون بالنتائج الكارثية للتصعيد، ولكنهم مصرون عليه. وبذلك فإن إيران في الوقت الراهن تضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ خطير، فالمنطقة الممتدة من البحر المتوسط إلى حدود باكستان مهمة لمستقبل البشرية، فهي تحتوي على موارد طاقة هائلة يتوقف عليها مصير الاقتصاد العالمي لسنوات طويلة قادته، وفي الوقت نفسه هي تحتوي أيضاً على صراعات متفجرة بين العرب وإسرائيل، وبين الولايات المتحدة ومعارضي وجودها فيها ومن بينهم إيران، وبين السُنّة والشيعة، وبين عدد من النظم العسكرية الحاكمة وشعوبها. الغريب في الأمر هو أن إيران تلعب دوراً مركزياً في هذه الصراعات، وفي مستقبل المنطقة، ولكن تلك الأدوار سلبية ومقلقة لدول المنطقة وشعوبها مما يجعلها حائرة في كيفية التعامل مع إيران. وإذا لم تكن تلك القضايا والاهتمامات والقلاقل والمخاوف غير كافية، فإنه توجد أدلة دامغة كثيرة على أن إيران تسعى باتجاه تخصيب اليورانيوم داخلياً وحيازة القدرة على إنتاج البلوتونيوم، وهي أمور لا يمكن تفسيرها سوى في إطار سعي إيران إلى إنتاج القنبلة النووية. الخطر الجسيم هنا هو أنه إذا ما تأكد جيران إيران والأطراف الدولية المهمة الأخرى من أن إيران أصبحت قادرة على إنتاج الأسلحة النووية، فإن عدم استقرار خطير جداً سيجتاح المنطقة، فبعض أقطارها ستصبح تحت ضغط التسابق مع إيران في هذا المجال، وفي أفضل الأحوال عن طريق حيازة تكنولوجيا إنتاج الوقود النووي. أما الآخرون فلربما يصبحون أكثر عدائية ويقومون بمهاجمة إيران عسكرياً وبقسوة، الأمر الذي ستتولد فيه ردود أفعال إيرانية عنيفة مشابهة، إن لم تكن مباشرة فإنها ستكون عن طريق تحريك "حزب الله" في لبنان، والجماعات المسلحة في الأراضي الفلسطينية والعراق، وكل مكان آخر تتواجد فيه. دلالات ممارسات إيران الحالية والمستقبلية ونطاق برامجها النووية تحتاج منّا إلى البحث فيها ودراستها بعمق ودقة دراسة لابد وأن تأخذ في اعتبارها والذي تم فعله سابقاً، وما الذي يمكن فعله مستقبلاً في مواجهة إيران وتطلعاتها التوسعية في المنطقة والدور الذي تتطلع إليه فيها وطموحاتها النووية. والغرض من ذلك هو فهم التفكير الإيراني في هذه المرحلة لكي يمكن التعامل معها وتهدئة تطلعاتها القائمة على العنف، وجعل مواقفها أكثر واقعية وتوائماً مع متطلبات الأمن والسلام العالمي والمتطلبات الدولية الأخرى. إيران كجارة ودولة صديقة يهمنا أمرها كثيراً ولا نتمنى أن يصيبها أي مكروه، بل نحن نسعد لو تمكنا من العيش معها بسلام ووئام لأن الشعب الإيراني ربطتنا معه على مدى التاريخ المعاصر مصالح مشتركة وصداقات حميمة أكثر مما جمعتنا به العداوة. لذلك فإن دبلوماسية دولة الإمارات العربية المتحدة الناشطة مدعوة للعمل في هذا الاتجاه، وتستطيع أن تتوجه إلى الأطراف الدولية الفاعلة ووكالة الطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي وتحاول من خلالها العمل على تغيير السلوكيات الإيرانية العدائية. هذا بالطبع يحتاج أولاً إلى فهم إيران بشمولية لكي نستطيع توضيح ما الذي تريده، ولماذا هي تتصرف بهذا الشكل العدائي تجاه المجتمع الدولي. وفي المقابل مطلوب من إيران أن تكون أكثر واقعية مع ذاتها وأن تكون أكثر حرصاً في تصرفاتها تجاه القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم، وألا تندفع خلف شعارات رنانة تصبح عند لحظة الحقيقة لا قيمة لها سوى دوار الطرف الذي يلهث وراءها. إيران مهما بلغت من قوة عسكرية ومهما شعرت في نفسها بأنها قادرة على مواجهة القوى الغربية كافة لن تكون كذلك لو تكالبت عليها قوى الغرب، فإيران تبقى إحدى دول العالم النامي التي تحتاج إلى الكثير من الوقت والإمكانيات لمجاراة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين عسكرياً.