حظيت حقوق الإنسان باهتمام كبير في الدراسات القانونية والسياسية والاجتماعية، فيما لم تحظ إلى الآن باهتمام مماثل في الدراسات الإعلامية. ذلك ما يلاحظه الدكتور قدري عبدالمجيد في كتابه "الإعلام وحقوق الإنسان"، والذي نعرضه هنا بإيجاز. ففي ستمائة صفحة وستة فصول، يتناول الكتاب "حقوق الانسان وحرياته المختلفة"، "الإعلام وحقوق الإنسان"، "الحقوق الإعلامية"، "معالجة الصحافة المصرية لحقوق الإنسان"، "الإنترنت والتلفزيون وقضايا حقوق الإنسان"، وأخيراً "تأثير المعالجة الإعلامية لقضايا حقوق الإنسان على معارف واتجاهات الجمهور المصري". وبذلك التمفصل الممنهجي ينقسم الكتاب إلى قسمين، أولهما فكري نظري يعرض المداخل المختلفة لدراسة حقوق الإنسان وحرياته من خلال إبراز المفاهيم المرتبطة بها، والمواثيق الدولية والإقليمية في هذا المجال، وموقع الإعلام منها، ودرجة الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان حالياً. ويلاحظ المؤلف وجود أربعة أجيال في تاريخ حركة حقوق الإنسان الغربية؛ أولها جيل الحقوق المدنية والسياسية التي تضمنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وثانيها جيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما أوردها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أما الجيل الثالث فاشتمل على الحق في التنمية والسلام وتقرير المصير والحق في الاتصال والمعلومات والإعلام. وأخيراً يتمثل الجيل الرابع في الحقوق التفسيرية، وتعني حق الجمهور في فهم وتحليل ما تقدمه وسائل الإعلام واستخراج المعاني الخاصة به من مضامين الرسالة الإعلامية. وفي العلاقة بين وسائل الإعلام وحقوق الإنسان، يستخلص المؤلف مجالين رئيسيين لتداخلها؛ إذ توفر الثانية مادة خصبة للأولى، فيما تعد حرية وسائل الإعلام حقاً مهماً من حقوق الإنسان. وإلى ذلك تمثل وسائل الإعلام مصدراً رئيسياً للمعلومات المتعلقة بقيم وأوضاع وممارسات حقوق الإنسان، لاسيما الإنترنت وباقي وسائل الاتصال الحديثة التي تسمح للأفراد بالتعبير عن آرائهم بسهولة ويسر، وتتيح لهم فرصة كبيرة للاطلاع على المعلومات والأفكار المتوفرة أو المطروحة من طرف الآخرين. كما تقوم هذه الوسائل بدور مهم في الترويج لثقافة حقوق الإنسان ونشرها... من هنا جاء ذلك الاهتمام الفائق الذي تبديه منظمات حقوق الإنسان بوسائل الإعلام على اختلافها. أما في القسم الثاني من الكتاب، فيقوم المؤلف بإجراء تحليل مضمون كمي وكيفي للمعالجة المتعلقة بقضايا حقوق الانسان في الصحف والمجلات المصرية، وفي عينة من البرامج الإخبارية التلفزيونية بـ"القناة الأولى" وقناة "النيل" المصريتين، إضافة إلى قناة "الجزيرة" الإخبارية. كذلك يجري تحليل مضمون كيفي لعينة من مواقع منظمات حقوق الإنسان المصرية على شبكة الإنترنت. ووفقاً لنتائج الدراسة، فقد جاءت الأخبار المنشورة عن قضايا حقوق الإنسان بالصحف والمجلات المصرية في الترتيب الأول بنسبة 36.6? من إجمالي عينة المعالجات الصحفية ذات الصلة بحقوق الانسان، وهي نسبة كبيرة يعود سببها، كما يقول المؤلف، إلى كثرة الأحداث المرتبطة بقضايا حقوق الانسان في مصر خلال فترة الدراسة. ثم جاءت التقارير الصحفية في الترتيب الثاني بنسبة 25?، تليها المقالات التحليلية بنسبة 13.7?، وهي نسبة صغيرة قياساً إلى حجم القضايا المتداولة في الأخبار. ومن حيث موقع النشر، جاء معظم المادة التحريرية المنشورة عن حقوق الانسان في الصفحات الداخلية بنسبة 70.5?، أما مواد الصفحة الأولى فجاءت في الترتيب الثاني بنسبة 25.8?. وفيما يتعلق بالحقوق التي ركزت عليها المعالجة الصحفية، فقد احتلت الحقوق السياسية الترتيب الأول بنسبة 40.3?، تلتها الحقوق المدنية بنسبة 25.4?، بينما حصلت المضامين التي تتناول مفهوم حقوق الانسان إجمالاً على الترتيب الثالث بنسبة 15.4?، وجاءت مجموعة حقوق الفئات الخاصة في الترتيب الرابع بنسبة 8.1?، تلتها الحقوق الاقتصادية بنسبة 3.4?، ثم الحقوق الثقافية بنسبة 3.2?. وجاءت مجموعة الحقوق الحديثة (الجيل الثالث) في الترتيب الثامن بنسبة 1.5?. وفيما يخص البرامج التلفزيونية ذات الصلة بقضايا حقوق الإنسان، فقد تنوعت موضوعاتها، وتباينت طرق تناولها بين قناة وأخرى؛ حيث ركزت برامج "القناة الأولى" المصرية على مجموعة من الأحداث ذات الصلة بالانتخابات البرلمانية، والإصلاح السياسي والديمقراطية في مصر، وغرق عبار "السلام 98”... وهي جميعها قضايا ذات طابع محلي. بينما اهتمت برامج قناة الجزيرة بقضايا ومشكلات عربية عامة، مثل عملية الديمقراطية في الوطن العربي، والانتخابات الفلسطينية، وقضية صراع الحضارات... في حين نرى تركيز برامج قناة "النيل" للأخبار منصباً على الأحداث الجارية، محلياً وعربياً، بما في ذلك أوضاع اللاجئين في مصر (تعليقاً على فض اعتصام اللاجئين السودانيين في القاهرة)، وأزمة الاقتصاد المصري... وهي موضوعات يعتقد المؤلف أنها تتصل مباشرة بقضايا حقوق الانسان. أما المعالجة الإعلامية لمنظمات حقوق الإنسان المصرية على مواقعها الإلكترونية، فتركزت على الحقوق السياسية في المرتبة الأولى، تلتها مجموعة الحقوق المدنية، بينما جاءت الحقوق الاقتصادية في المرتبة الثالثة، تلتها حقوق الفئات الخاصة، ثم الحقوق الثقافية، وأخيراً الحقوق الاجتماعية. وكما يلاحظ المؤلف، فإن هذه المنظمات أهملت العديد من حقوق الإنسان المهمة، مثل الحق في الأمن وفي التعليم وفي بيئة نظيفة... وتفسير ذلك أن هذه الحقوق لا ترتبط مباشرة بأحداث مهمة، كما أنها لا تحظى بأولوية لدى الدول والمنظمات الغربية، رغم أنها تقع ضمن الجيلين الثالث والرابع من أجيال حقوق الانسان، شأنها شأن الحق في الاتصال كأساس للحقوق الإعلامية! محمد ولد المنى ـــــــــــــــــــــــــــــــ الكتاب: الإعلام وحقوق الإنسان المؤلف: د. قدري علي عبدالمجيد الناشر: دار الجامعة الجديدة تاريخ النشر: 2008