إن الفكر الذي يجعل "الوطن" رهينة للخارج، لا يمكن أن يكون له موقع من الإعراب في مجتمع الإمارات، وإن رفع البعض راية مضللة باسم الحرية التي أتاحها دستور الإمارات للجميع. فالاحتجاجات التي قادها مجموعة من المعلمين للاعتصام أمام مبنى وزارة التربية والتعليم، لا علاقة لها بحرية التعبير التي لو تركت على عواهنها لتحول الأمر إلى فوضى عارمة يراد من خلالها إلزام الحكومة بأجندة لا تمت بصلة لمصلحة الوطن وأمنه. ليس في الإمارات منذ النشأة للمظاهرات الاحتجاجية أو المطالبة ببعض الحقوق المزعومة، سيرة، ولم يكن المجتمع مرتعاً يوماً لهذه الأفعال التي تخضع للضوابط القانونية التي تضع الحلول العملية لأي مشكلة مع أي طرف قبل أن يصل بالبعض لإدارة مظاهرة تؤلب فيها وشائج الأمن العام في الدولة، فضلاً عن الأمن في مفهومه الاجتماعي الذي يبعد أي نزعة للقلق أو زعزعة ما هو قائم على التسامح والألفة بين جميع أفراد المجتمع بالدولة. لا نريد لهذا البعض أن يرفع صوته في وجه الحكومة مطالباً بحقوق لم تكن هي أصلاً طرفاً في إهدارها، فإعطاء هذه المسألة أكثر من حجمها الإداري الطبيعي والذي يقع في أي مؤسسة قابلة في أي وقت لأي تغيير في استراتيجيتها وفقاً لكثير من المستجدات التي تتواكب مع أي مجتمع ديناميكي يتميز بالحراك في كل شؤونه الحياتية. فخلق مشكلة من لا شيء، هو جزء رئيس من الإخلال بالمعادلة الأمنية للدولة، وفي ذلك إقحام لقناعات شخصية يراد من خلالها الترويج لها رغم أنف الجميع، وهذا ما لا يمكن قبوله تحت غطاء حرية التعبير عن الرأي، وهو نوع من الإرهاب الفكري لا يمكن لأي دولة التعايش معه كأمر عادي أو حتى في إطار أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، لأن شرط الود هنا غير متحقق أصلاً. ونقطة غاية في الأهمية في القضية التي أخذت حجماً لا يستهان به من التغطية الإعلامية، التي ركزت على أن أمن الوطن من أمن إنسانه، وإذا تسبب هذا الإنسان بخرق الخطوط الحمراء لهذا الأمر فإن حرية الرأي ووسائل التعبير عنها ليس مبرراً، ونؤكد في هذا المجال على حقيقة نسبية الحرية التي يتم الترويج لها على أنها مطلقة وأن تقييدها جريمة لا تغتفر، فمجتمع مثل أميركا عندما تعرض للهجمات الإرهابية من قبل تنظيم "القاعدة" أفاق من رقدته على الحرية الحالمة وأحدث زلزالاً أمنياً خرج من نطاقه المحلي إلى مجال خوض الحروب العابرة للقارات من أجل استعادة "الأمن القومي الأميركي" إلى مكانه الصحيح، وقد خرقت في هذا السبيل قوانين وحقوقاً كانت تفتخر بها أمام العالم ولكن أميركا نسيت الحرية عندما ضُرب الأمن عندها في مقتل. ومع إدراكنا جيداً بأن القياس هنا مع الكثير من الفوارق بين الحدثين، إلا أن أمن الوطن في نهاية المطاف كلٌّ لا يتجزأ ورفع راية الحرية وكأنها قميص عثمان لإثبات الحق في لبوس الباطل، هو حيلة لا تنطلي على المدافعين عن حق الوطن في اتخاذ ما يراه مناسباً لمنع وقوعنا جميعاً رهينة بأيدي فئة تريد أن تزايد عليه في الأسواق الخلفية الرخيصة، إلا أن الحريصين على استمرار نسمات الأمن والأمان في هذا الوطن المعطاء لن يتركوا مسرباً لعبث العابثين أو مجالاً للعب على حبال الحريات التي يراد خلافها. فالأفكار تباع وتشترى في أسواق النخاسة في العالم من حولنا، ولكن مصالح الأوطان ليست أفكاراً من ذلك القبيل لأنها حقائق يجب أن تبنى لها أسوار تقيها لوثات الأفكار والتيارات التي تجعل مصالحها الذاتية فوق أمن الوطن وصونه من عاديات الأزمان.