عالم النفس "فرويد" أسهم إسهامات كبيرة في دراسة السلوك الإنساني والاضطرابات النفسية التي تصيب الشخصية، واستمر البحث في فهم خفايا السلوك الإنساني، وبذل العلماء جهوداً لفهم أسباب الانحراف الاجتماعي، أو ما نسميه بمجموعة الأمراض الاجتماعية. المرض الاجتماعي تتفاوت درجاته وحدته وأعراضه، وعلى سبيل المثال لو أخذنا بعض الظواهر السلوكية كالعنف، سواء ضد النفس أو الآخر، أو حب المظاهر، أو الشراهة في الأكل، أو القلق، فكلها اضطرابات اجتماعية-نفسية، تتفاوت حدتها وأثرها على الفرد. ربما ما يقلقنا هو زيادة حدة العنف في المجتمع، وهو عنف يعكس واقعاً اجتماعياً ونفسياً، وهو نتاج لتراكمات كثيرة ومختلفة، ويظهر في أشكال عديدة كالتعامل مع الآخر أو قيادة السيارة أو العنف اللفظي، وكلها أشكال مختلفة للعنف. تحليل الظاهرة يقوم على فكرة الاضطراب سواء على مستوى الشخص أو على مستوى المجتمع. المظاهر أوحب الظهور للحصول على قيمة اجتماعية عالية يُشكِّل لنا سلوكاً منتشراً، ويُمارس على نطاق واسع، وهو سلوك ينتج عن دافعية كبيرة يحصل عليها الفرد برضا نفسي وحتى وإنْ كانت كلفته عالية اجتماعياً واقتصادياً. ومن ملاحظتنا للواقع الكويتي، نجد أن الناس أغلبها يعيش تحت هم المظاهر ليحظى باحترام المجتمع، والسلوك هنا يشير إلى اضطراب الشخصية؛ حيث الفرد تنقصه الثقة بالنفس، ويلجأ إلى التعويض في الخروج بمظهر لا يعكس حقيقته وواقعه وفي حالات كثيرة يتسبب هذا السلوك في الانحراف الاجتماعي كالسرقة أو الجريمة أو الإدمان على المخدرات، وفي حالة النساء يدفع بعضهن إلى بيع الجسد مقابل الحصول على المال للظهور بالمظهر الاجتماعي الذي تحقق فيه رغبة خفية، تحقق لها الرضا عن النفس. وفي حالات الانحراف، نجد أن الشخص يدرك أن هناك عقاباً للسلوك المنحرف، ولكن يصر على القيام به، وهو تعبير فسره "فرويد" بأن الذات تبحث عن العقاب، حيث العقاب يحقق الرضا الخفي، ومن هنا نفسر تكرار السلوك المنحرف حيث قد يعاقب الفرد بالسجن على سبيل المثال، ويفرج عنه، وبعد حين يعود للسلوك نفسه ويعاقب مرة أخرى، هكذا هو يجد في العقاب لذة خفية تشبع احتياجات نفسية خفية. والتفسير في هذا الموقف يتجسد في البيئة الاجتماعية الأسرية، وفي تاريخ التطور النفسي والظروف التي مر فيها الفرد، وتؤكد كثير من الدراسات أن الانحراف يعود إلى اضطراب أسري، أو إلى تجربة شخصية مؤلمة يبحث الفرد فيها عن وسيلة لتحقيق الرضا والإشباع. العدوان هو نوع من العنف الموجه ضد النفس أو المجتمع، ولاحظنا أنه على سبيل المثال الرغبة في التدمير أو القتل أو التفجير أو النحر، التي يقوم بها بعض منتسبي الحركات الدينية الراديكالية، تعكس سادية حيث العنف في هذا المشهد، يحقق رغبة تقترب من الشهوة الجنسية بالنسبة للمصابين بالسادية. معالجتنا لظواهر العنف مازالت ناقصة وغير مبنية على أسس علمية، بقدر ما أننا نواجه العنف بالعنف، ولا نحاول أن نفهم محتوى التغير في الشخصية أو البيئة المشجعة على العنف والرغبة التدميرية لدى البعض من أعضاء الحركات الدينية الراديكالية، وربما لا نبالغ بأن ظواهر العنف تستشري في المجتمع كتحدٍّ للسلطة، وكنتيجة للعزل في المشاركة في صنع القرار واستمرار التهميش وخصوصاً للشباب. التغير الذي يحدث عنيف، وهو تغير لا يملك الكثير مواجهته ويدخل البعض في صراع حاد مع النفس ويؤدي في نهاية الأمر إلى أن يكون فريسة لكثير من المنظمات التدميرية أو من تتبنى ثقافة الموت.