برع الأفغان في أمرين: القتل وزرع الحشيش، وهو ما قاد إلى الإدمان عند عساكر الشيوعية أثناء الحرب الأفغانية حيث كان المورفين سلاح الألم لدى آلاف الجنود المصابين بأيدي المجاهدين الأفغان. وهو أمر منح الدكتور الروسي (زوبين) فرصة تطبيق تجارب قاسية على الجنود لانتزاعهم من الإدمان، فحقق نجاحاً مازال يحتفظ بسره! وهو في عيادته الخاصة بموسكو حالياً، يزعم أنه يشفي من إدمان الهيروين خلال نصف ساعة، وذلك بحقن مادة بيضاء في وريد رقبة المدمن، لكن بكلفة 4200 يورو! ومن روسيا تنبع بين الحين والآخر إبداعات لا تصدق، مثل جراحة "إليزاروف" التي كسر بها مسلّمات الطب في أن القزم خلقة لا تتغير. لكن جراح العظام الروسي "إليزاروف" قام بكسر هذه المسلّمة من خلال فهمه القانون العضوي لنمو الجسم، حيث وضح أن القزامة ليست قدراً مثل الموت، بل هي ظاهرة تخضع لسنن الله في خلقه. وسنن الله يمكن فهمها، وهذا الفهم من شروط استخلاف الإنسان بمنحه وكالة عامة من الرب. كانت فكرة "إليزاروف" ثورية جداً وبسيطة جداً. فطالما أن العظم ينمو مع الكسر، فلماذا لا نكسره ونحرر "آلية النمو" لنتحكم بها كما نشاء؟ بكلمة أخرى كسر العظم القصير والإبقاء على فارق بين حافتي الكسر قدره مليمتر واحد في 24 ساعة. ثم في اليوم التالي نبعد الحافتين مليمتراً واحداً، وهكذا كل يوم؛ لنمطّ العظم 3 سم في الشهر أو 18 سم في ستة أشهر، أي أن سيدة قصيرة كان طولها 140 سم يمكن أن تصبح رشيقة بطول 158 سم، بل وعرض "إليزاروف" من دفع الطول فيه حتى 90 سم! وهذا المثال ليس الوحيد في الطب، فقد تعلّمنا من الطب أن الخلايا العصبية ثابتة لأن تغيرها وتكاثرها، كما في بقية خلايا الجسم، يعني أن علينا تجديد الذاكرة كل ستة أشهر، لكن تبين أن هذا خطأ. فقد ثبت أن واحدة من عجائب الدماغ قدرته على ترميم نفسه، حيث تأخذ خلايا وظائف خلايا ماتت، كما يحدث عند المشلولين، بل تنبت خلايا عصبية جديدة. وفي جامعة "لوند" من السويد أمكن لـ"وايدنر" زرع خلايا عصبية من اللطخة السوداء المنظمة لحركة اليدين عند مرضى باركنسون، فانتعشوا وهدأت أطرافهم من رجفتها. وتعلمنا في الطب أيضاً أن ثبات الكود الوراثي أمر مفروغ منه، لكن تبين أن هذا خطأ مرتين؛ أولاً بالطفرة، وثانياً بالعلاقة الجدلية بين المحيط وانطباعاته على الجينات التي تأخذ ارتسامات الأحداث من طفل أسيئت معاملته في سن الطفولة، أو شاب يافع جلدته عناصر المخابرات حتى حافة الموت... فهي تنغرس في الجينات وتنتقل للذراري من بعد. ومما يهدد نظرية الكود الوراثي بحث يشتغل عليه فريق علمي من جامعة "مك جيل" في مونتريال حول أدمغة المنتحرين وتحري الكود الوراثي في منطقة (الهايبوكامبوس) حيث مراكز التعلم ومستودعات الذاكرة. وكذلك الأبحاث الجديدة في جامعة بوسطن عن طريقة (نزع الخلايا) من قلب جرذ ثم حقن "السقالة" الميتة المتبقية من النسيج بخلايا جذعية لتأخذ مكان القديمة ويستيقظ القلب من رقدته فينبض من جديد. كل هذه نماذج على ترنح النظرية الطبية الجامدة ومسلّماتها، ومعها مسلّمات أخرى في باقي فروع العلوم وضمنها علما السياسة والاجتماع. والوضع العربي المربك حالياً سببه أن من يدفع السياسة ويحكم رقاب الشعوب هم من ذوي العلم المحدود، ومن يملك العلم يحول البشر إلى مسخرات. فمن لا يسخر يتسخر، ومن يغفل عن سنن الكون فإن سنن الكون لا تنام. وعادةً، فإن الأذكياء الخبثاء يلعبون بالمغفلين الجهلاء، كما تشهد على ذلك لعبة القوقاز الحالية. وعندما نعلم أن المعهد الذي تشرف عليه زوجة "ديك تشيني" في أميركا وظيفته تخريج رؤساء حكومات، كما في جورجيا مثلاً، نفهم أنه يمكن استبدال اللعبة الحالية هناك بلعبة أخرى من نفس المدرسة، ولو بمجرد تغيير الاسم فقط!