في البداية كان لدي شك بأن الشخصية الإيرانية تميل في تعاملها مع الآخر، أياً كان، إلى الإحساس بأن هذا الآخر يستهدفها بشر ويتآمر ضدها، لكن مع رصد المواقف الإيرانية المتكررة مؤخراً تجاه الدول العربية، تحول هذا الشك إلى شبه يقين بأن الإيرانيين فعلاً يعانون من عقدة الاضطهاد والشعور بالاستهداف من الآخرين. ولا يحتاج المراقب إلى جهد كبير للتأكد من هذا الشعور، فرصد ما يصرح به المسؤولون الإيرانيون لوسائل الإعلام كفيل بالتيقن من ذلك. تصدرت مؤخراً وسائل الإعلام الإيرانية اتهامات بأن السلطات الإماراتية تفرق في تعاملها بمطارات الدولة بين المسافرين، وتعامل الإيرانيين بقسوة! كذلك اتهمت إيران الأمير بندر بن سلطان بأنه التقى الرجل الثاني في "القاعدة" أيمن الظواهري في باكستان، وشارك معه في صياغة الخطاب الذي ألقاه الظواهري مؤخراً، لاسيما مقاطعه التي تتهم إيران بالتدخل في شؤون الدول العربية. كما أبرزت تلك الصحف احتجاجاً إيرانياً ضد الأردن بعد أن شارك وفد شعبي أردني في مؤتمر لـ"مجاهدي خلق" في باريس، فضلاً عن موقفها الذي اعتبر توقيع مذكرة التفاهم بين دول الخليج وتركيا، عملاً موجهاً ضد إيران. والأمر كذلك بالنسبة للاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة والعراق. السبب في هذا الشعور لا علاقة له بفهم الإيرانيين لما يدور حولهم، وإنما يعود إلى أسباب تاريخية للحضارة الفارسية التي أنتجت هذه الشخصية بهذه التعقيدات التي لا ترى في الآخر سوى متآمر ضدها. والمشكلة أن التطور التاريخي لهذه الشخصية أظهرها بهذا الشكل عموماً، فبمجرد أن تتكلم مع أي إيراني يقفز إلى ذهنك التعصب والعناد والشك في كلامك؛ وستحتاج لأن تفسر له ما تقصده من قولك حتى لا يشك في أنك تريد به سوءاً. لا أميل إلى اتهام الشخصية الإيرانية بأنها شكاكة وأنها وسواسية، أو أن يفهم البعض أني أغلّب على هذه الشخصية العوامل البيولوجية في تكوينها، بقدر ما أريد القول إن الأمر يتعلق بصفات مكتسبة، وقد ذكرت مواقف لمسؤولين إيرانيين فيما يخص تحركات الدول الخليجية والعربية. اتصاف الشخصية الإيرانية بعقدة الاضطهاد من الآخر، يعود إلى أن هذه الشخصية تنفرد عن غيرها من شعوب العالم باعتقاد أنها الأفضل بين الجميع وفي كل شيء بسبب ما تمتلكه من إرث تاريخي يجعلها تتوهم أن غيرها أقل منها. فإيران ومن خلال مسؤوليها، كثيراً ما رددت أنها الدولة الوحيدة التي لها امتداد تاريخي يرجع إلى ما قبل التاريخ، وأنها نشأت فيها العديد من الحضارات. هذه الأشياء ساهمت بطريقة أو بأخرى في تكوين هذه الشخصية التي تشعر بأن الكل يتآمر عليها أو يعمل على تهديدها بشكل مقصود ومتعمد، لذلك فهي تحس بعدم الثقة من أي تحرك يقوم به الآخر حتى ولو كان ذلك التحرك بريئاً وليست له علاقة بما في عقلية الفرد الإيراني. حالة الإحساس بالاضطهاد التي يعيشها النظام الإيراني في تعامله، ولّدت لديه حالة نفسية تكررت مؤخراً حتى وصلت إلى حد اليقين بأنه مستهدف من الجميع وليس من الدول الكبرى فقط، بل مستهدف من دول "التعاون" الخليجي وباقي الدول العربية، من الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي، بل ومن الإيرانيين الذين يعتنقون المذهب السني إذ لا تقبل السلطة الإيرانية التعامل مع هؤلاء على أنهم مواطنون إيرانيون بل باعتبارهم طرفاً يستهدف إيران الشيعية. وفي مقابل ذلك، يصور الإيرانيون أنفسهم كضحية للآخر، وأن هذا الآخر هو المجرم أو المتآمر، لأنه يساند الأجنبي ضد مصالح إيران، وصار النظر لغير الإيراني باتجاه واحد هو التآمر، إلى حدٍ تعطل معه التفكير المنطقي في القضايا والعلاقات. الإحساس بأن الكل يتآمر على إيران أو يريد منازعتها على ما عندها، مردّه التباهي بالماضي واليأس من الحاضر، والسبب هو سياسات الحكومة الإيرانية. وفي حالة كهذه من الطبيعي أن تكون مواقف طهران متصلبة في تعاطيها مع الآخر، وهذا ما نلاحظه فيما يخص قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران، وفيما يخص الملف النووي حيث يميل موقفها إلى العناد والتعصب.