أيمن الظواهري غاضب على إيران، هذا جديد، هو لا يذهب إلى لغة "أبومصعب الزرقاوي"، وكان لامه عليها، لأنها بالغت وولغت في المذهبية. إنه يتحدث عن حلف "إيراني- صليبي"، ويتهمه بأنه سهّل غزو أفغانستان والعراق، لكنه لم يتحدث عن تسهيلات حصلت عليها "القاعدة" من إيران، وجعلت الظواهري وسواه يتغاضون عن الأدوار والممارسات الإيرانية. لماذا "الهجوم الظواهري"، الآن، على طهران؟ ربما لأن اللعبة في صدد التغيّر، ربما لأن المصالح بدأت تنفرز بعد سنوات التقاء وتقاطع أفادا الجانبين، وما كان متوقعاً أن يدوما. يعلم الظواهري أن كل ما يصدر عنه يجد آذاناً صاغية في دول "الصليبيين"، لذا فهو أعدّ لهم قطعة ثمينة جامعة سيجلس الخبراء والمحللون طويلاً أمامها لاستقراء واستخراج ما يمكن أن يفعّل هذه "الحرب على الإرهاب"، إنها الطريقة "القاعدية" لإحياء الذكرى السابعة لـ"غزوة مانهاتن". لم يظهر الرجل الأول، أسامة بن لادن، ولم يقتصر الحضور على الرجل الثاني، هذه المرة أمكن التعرف على بعض "السفراء" والمنتدبين الذين لا يهمهم أن تنفضح وجوههم. إذاً، فهو شريط أكثر أهمية من الاحتفال في "الموقع صفر"، وقد سبقه في أي حال. لماذا الغضب على إيران، الآن؟ لأن "القاعدة" تحتاج الآن إلى التسهيلات، ولأن عودة "طالبان" تتطلب مدى حيوياً، انتهى الجزء الأكبر من المهمة في العراق، كان مهماً أن يتحول الاحتلال كابوساً للأميركيين، وقد صار. لم تنته المهمة، لكنها تمر بتحوّل، ولابد من وقت مستقطع، فليكن استراحة. الأميركيون ينقلون قوات من العراق إلى أفغانستان، كذلك تفعل "القاعدة"، الأميركيون لا ينسحبون، كذلك "القاعدة"، فهي زرعت خلايا عراقية محلية باقية في أرضها. لا داعي لغرباء في المراحل المقبلة، يمكن استقدامهم عند الضرورة، عندما تحتد المواجهة وتشتد الحاجة لاستيراد انتحاريين. هناك عمل كثير ينتظر "القاعدة"، الأعوام السبعة الماضية كأنها أقنعتها بأنها واجبة الوجود، لم تجف ينابيع التمويل ولا خزانات الدم، لعلها "الحكومة" الوحيدة المنهمكة في هذا الشرق الأوسط الكبير، ليست لديها مديونيات تحبطها ولا خطوط حمر تردعها أو تخيفها، حتى أن سجناء في جوانتانامو يتعبون العدو ولا يشغلون بال رعاتهم السابقين، ليست لديها هواجس تنمية وإعمار وخدمات، حتى أن أتباعها لا يشعرون بالانتماء إلى أي بلد، دولة، وطن. إنهم "متعولمون" على طريقتهم، منذ ذلك الـ11 سبتمبر خرج العالم كله لمطاردتهم، وبات عملياً يحسب حسابهم أكثر مما يعتد لما تفعله الحكومات التي يفترض أنهم من رعاياها. تعلمت "القاعدة" الكثير من تجربة "الحرب على الإرهاب"، وبالتأكيد أكثر مما تعلمت من تجربة "المجاهدين" ومقارعة السوفييت حتى طردهم، لكنها لم تتعلم الشيء الوحيد المطلوب: أن تنهي "الخدمات" التي لم يتمناها أحد منها، كما كانت للعدو الأميركي نفسه علاقة سببية بوجودها، كذلك أصبح هذا العدو علّة لبقائها. كان ولا يزال بينهما تعاون سلبي، ضمني أو عملي لا فرق، فالنتيجة ملموسة في تخريب أفغانستان. والآن، الدور لباكستان التي سيتعاون الطرفان سلبياً، وإلى أقصى حد، للتأكد من أنها ستقع في هوة العبث. الأخبار الطيبة للأميركيين كما لـ"القاعدة"، هي نفسها الأخبار الطيبة التي طلبها الجنرال الإسرائيلي شاؤول موفاز من جنوده: حصيلة يومية للقتلى لا تقل عن عشرة، كلما ارتفعت الحصيلة كلما عنى ذلك أن العمل يتقدم، صحيح أنه يتقدم لكن نحو المجهول، بلا نتيجة. الأخبار الأخرى الجيدة لـ"القاعدة" تفيد بأن الأميركيين يرفضون أن يتعلموا، لم يحلوا أي نزاع، لم يحققوا الأهداف التي عرضوها كأنها خريطة الطريق إلى الخلاص للشعوب والحكومات، لا يزالون يعتقدون أن انتصاراً ما ينتظرهم في العراق، يئسوا من أفغانستان ويبحثون عن انتصار آخر ربما يجدونه في باكستان. فيلم "حروب تشارلي ويلسون" يروي قصة السيناتور الأميركي الذي عمل بدأب لتسليح "المجاهدين" الأفغان لتمكينهم من قهر السوفييت، استطاع أن يرفع الدعم المالي من بضعة ملايين إلى عشرات الملايين، حقق الهدف ونال التكريم الذي يستحقه. في المشهد الأخير للفيلم نراه يكد لإقناع زملائه في الكونغرس بالموافقة على صرف مليون واحد لفتح مدرسة في أفغانستان، لم ينل سوى التسفيه والاستهزاء، وهو لم يكن مستعداً لخوض معركة سياسية من أجل مدرسة، وأين؟ في أفغانستان... هكذا وضعت أسس اختراع "القاعدة" لتكون أداة في يد من يرغب، كان مؤسسوها مع الأميركيين ثم انقلبوا عليهم، وبعد ضربهم فتحت لهم إيران خطاً مقنناً، وقد تقفله، أو ينقلبون عليها، ويضعونها في خانة الأعداء... المراد للعرب، وللعالم، أن يتعايشوا مع واقع "القاعدة"، فالعاملون على تدميرها -كما يقال- هم أكبر المساهمين في بنائها... وازدهارها.