بعد أن عدت تواً من زيارة للفلسطينيين وللإسرائيليين استغرقت أسبوعاً، أجد من الصعب عليّ نسيان ذلك الإحساس الذي أحسست به هناك، وهو أن كل شيء يبدو معلقاً إلى حين. فعلى رغم إن الطرفين يواصلان التفاوض، فإنهما في حقيقة الأمر يحاولان كسب الوقت انتظاراً لما ستسفر عنه تحولات المشهد السياسي الإسرائيلي والأميركي. على رغم ذلك، هناك سؤال مطروح، يسبب قلقاً وانزعاجاً للفلسطينيين وللإسرائيليين على حد سواء وهو: ماذا سيحدث في شهر يناير المقبل عندما تنقضي فترة ولاية الرئيس الفلسطيني الحالي "محمود عباس"؟ في الوقت الراهن، ليس من المقرر عقد انتخابات الرئاسة الفلسطينية إلا بعد مرور عام على الأقل من شهر يناير المقبل، الذي ستنتهي فيه ولاية "عباس"، وهو ما سيؤدي إما إلى ثغرة في الشرعية، إذا ما بقي عباس في السلطة، أو فراغ في القيادة إذا ما غادر موقعه. ويُشار إلى أن الرئيس الفلسطيني– وبسبب سيطرة "حماس" على قطاع غزة، قد أصدر منذ مدة مرسوماً بعقد الانتخابات الرئاسية بالتزامن مع انتخابات المجلس التشريعي في العاشر من يناير 2010، وهو ما كان يعني فعلياً تأجيل الانتخابات الرئاسية على أمل حدوث تغير ما في غزة خلال هذه الفترة. في الوقت نفسه، نجد أن "حماس" تحاول الاستفادة من الفترة الواقعة بين تاريخ انقضاء تاريخ ولاية "عباس" والتاريخ المحدد لعقد الانتخابات، حيث بدأ قادتها منذ الآن يعلنون، أن الرئيس الفلسطيني لن تكون له شرعية بعد انقضاء فترة ولايته الحالية. وهذه المسألة في الحقيقة سياسية أكثر منها قانونية. فوفقاً للدستور الفلسطيني، عندما يخلو مكان الرئيس، يصبح رئيس المجلس التشريعي هو الرئيس بالوكالة. ومعنى ذلك أن رئيس المجلس التشريعي الحالي "عبد العزيز الدويك" هو الذي سيصبح رئيساً، وهو عضو في "حماس" ولكنه مسجون في إسرائيل، لذلك فإن المقرر في مثل هذه الحالة أن ينوب عنه نائبه "أحمد بحر" وهو أيضاً عضو في "حماس"، ويعيش في قطاع غزة. وحتى إذا لم تكن "حماس" راغبة في إعلان خلو المنصب، فإن هناك احتمال أن يُقْدم عباس نفسه- وهو ما قد يرجع جزئياً لشعوره بأن هناك تحديا لشرعيته- على ترك المنصب بنفسه في شهر يناير، وهو ما هدد به أكثر من مرة. واقتراحي هنا أنه بدلاً من الانتظار حتى نرى ما إذا كانت هناك أزمة قيادة ستتبلور أم لا (أو الأسوأ من ذلك أن يصبح المنصب شاغراً) ألا يكون من الأفضل العمل على التوصل لاستراتيجية للتعامل مع هذا الموضوع مع عباس الآن وليس غدا؟ أما وزيرة الخارجية الأميركية" كونداليزا رايس" فإنها تركز اهتمامها على شيء آخر. فهي لا تزال مصممة على الاستمرار في محاولاتها للتوصل إلى اتفاقية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بخصوص قضايا الوضع النهائي وهي القدس واللاجئين والأمن، والحدود. وعلى رغم أن ذلك قد يكون مرغوباً في حد ذاته، فإن احتمال حدوثه ليس قوياً. فكما قال لي مسؤول إسرائيلي كبير "هناك في الوقت الراهن شخصان فقط في هذا العالم يعتقدان أن التوصل لصفقة أمر ممكن هما:"إيهود أولمرت" و"كونداليزا رايس". ولكن نظراً لأن أيام "أولمرت" في السلطة قد باتت معدودة، فإن الحكومة الإسرائيلية لا تتبنى مبادراته التفاوضية، كما أن الفلسطينيين يجدون أنه ليس من المنطقي أن يقدموا تنازلات لشخص ليس من المتوقع أن يكون قادراً على الوفاء بنصيبه من الصفقة. والحال هكذا، فإنه قد يكون من الأفضل لـ"رايس" أن توجه اهتمامها لأشياء أخرى غير التي توجهها إليها في الوقت الراهن. نظراً لأنه من المتوقع أن يحضر القادة العرب (وعباس بينهم) اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعقد في نيويورك في موعد لاحق من هذا الشهر، فإنه سيكون لدى "رايس" فرصة مثالية للخروج باستراتيجية للتعامل مع مشكلة عباس. ويجب عليها في هذا الشأن، أن تتعرف على الخيارات المتاحة مقدماً، وتحشد الدعم العربي من أجل استمرار عباس في البقاء في السلطة- وهو شيء ليس من الصعب تحقيقه، خصوصاً إذا أخذنا في اعتبارنا أن القادة العرب سيخشون حدوث فراغ في القيادة الفلسطينية يمكن أن تتقدم "حماس لملئه"- ثم إنهاء مقاربة السلام. هناك خياران على الأقل يمكن السعي إليهما في هذا السياق: إقناع القادة العرب وأعضاء "الرباعية"، التي تتكون من أميركا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، بالموافقة على مرسوم عباس بعقد انتخابات الرئاسة، وانتخابات المجلس التشريعي في آن معاً، بشرط أن يلتزم هو بالبقاء في منصبه حتى موعد عقد تلك الانتخابات، وهو ما سيوفر له غطاءً وسبباً للبقاء في منصبه. أو، يمكن بدلاً من ذلك، الاستفادة من هذه الفرصة ووضع "حماس" في وضع الدفاع، من خلال جعل "عباس" يدعو إلى عقد الانتخابات الرئاسية عندما تسمح الظروف الأمنية في غزة بذلك. وتحسن هذه الظروف الأمنية سوف يتطلب على الأقل وجوداً لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، ولمراقبين دوليين، من أجل وضع القواعد الانتخابية، وتحديد أماكن مراكز الاقتراع، ومراقبة التقيد بالشروط واللوائح الموضوعة لضمان حيدة ونزاهة وحرية الانتخابات، وخلوها من أي محاولات للتدخل والترويع من جانب "حماس". في مثل هذه الحالة، فإن "حماس" ستجد نفسها مطالبة إما بالسماح بنوع من الوجود لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، والمراقبين الدوليين للإشراف على الانتخابات، أو تمتنع عن ذلك، وتعرقل الانتخابات، وهو ما سيفقد إدعاءاتها بالشرعية لنفسها، أو التهم التي توجهها لعباس، أي مصداقية. وبصرف النظر عن الخيار المتخذ، فإن الإدارة بحاجة إلى معالجة المشكلة الناتجة عن ذلك. لقد كان التأخر عن الأحداث، علامة مميزة لإدارة بوش. وإذا ما كانت الإدارة الاميركية الحالية جادة فعلا بشأن محاولتها توريث عملية السلام الجارية للإدارة التي ستأتي بعدها.. فإنه من الأفضل لها في هذه الحالة أن تركز اهتمامها ليس فقط على المحافظة على استمرار عملية السلام، وإنما أيضاً على ضمان أنه لن تكون هناك أزمة قيادة فلسطينية في نفس اللحظة التي سيتولى رئيسنا القادم فيها الحكم. هذه مشكلة يمكن لإدارة بوش- بل ويجب- أن تستبقها بالعمل قبل أن يصبح الوقت متأخراً جداً. دينيس روس منسق السلام السابق في الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"