يعتقد الكثيرون خطأ أن التهابات المفاصل هي مرض واحد، والحقيقة أن هذا المصطلح الطبي يشير إلى مئة أو مائتين من الأمراض والعلل المختلفة، منها النقرس والروماتويد، وغيرهما. ولذا، ولغرض التبسيط في هذا المقال فقط، سنستخدم مصطلح التهاب المفاصل للتعبير عن التهاب المفاصل التحللي (Degenerative Osteoarthritis)، الذي نعهده غالباً بين كبار السن والشيوخ. هذا المرض لا يعتبر فقط من أكثر أنواع التهابات المفاصل شيوعاً، بل ربما كان من أكثر الأمراض التي تصيب أفراد الجنس البشري على الإطلاق. حيث تظهر صور الأشعة وجود تغيرات تشريحية في مفاصل 80% ممن تخطوا سن الخامسة والستين، تؤكد تعرضها للالتهاب. وبخلاف أن التهابات المفاصل بجميع أنواعها تعتبر السبب الأول في الإعاقة البدنية بين من تخطوا سن الخامسة والخمسين، تشير الإحصائيات الطبية إلى أن 21 مليون شخص في الولايات المتحدة، وأكثر من سبعة ملايين في بريطانيا، مصابون بالتهاب المفاصل. وهو ما يجعل التهاب المفاصل السبب الرئيسي خلف 25% من جميع الزيارات التي يقوم بها المرضى إلى أطباء الرعاية الأولية، وخلف 50% من جميع الوصفات الطبية للعقاقير غير السترويدية المضادة للالتهاب (NSAID). ولسبب أو لآخر، وربما كنتيجة طبيعية لتشيخ المجتمع الأميركي، زاد عدد الحالات التي يتم حجزها في المستشفيات بسبب التهابات المفاصل من 322 ألف حالة عام 1993، إلى 735 ألف حالة عام 2006، وهو ما يعني زيادة بأكثر من الضعف خلال ثلاثة عشر عاماً فقط. الاعتقاد الخاطئ الآخر الذي ينتشر بين العامة بشكل كبير، وبين الأطباء إلى حد ما، هو ربط هذا المرض بالسن، كما لو كان أحد أمراض الشيخوخة. وربما كان السبب في هذا الاعتقاد، هو أن التهاب المفاصل لا يظهر غالباً لدى صغار السن، مما جعل الكثيرين يعتقدون أنه ببساطة نتيجة البلى والتلف الناتجين عن سنوات وعقود من استخدام المفصل. والحقيقة هي أن هذا المرض، هو نوع من الالتهاب البطيء، الذي يستغرق سنوات وسنوات لتظهر أعراضه وعلاماته، مما جعله يرتبط بشكل مباشر بالتقدم في السن. وربما كان تدهور قدرة الجسم على إصلاح التلف الداخلي فيه مع التقدم في السن، يلعب هو أيضاً دوراً في ظهور المرض لدى من تخطوا مرحلة الشباب. وهذا ما يجرنا لحقيقة أخرى، وهي جهل الطب الحديث بالسبب المباشر خلف التهاب المفاصل التحللي. فالبعض يعتقد أن 60% من الحالات تعود لأسباب جينية، وهو ما يتضح من انتشار المرض بمعدلات أكبر بين نفس أفراد العائلة، والإخوة، والتوائم المتشابهة، بينما يبحث آخرون في أسباب أخرى، مثل الحساسية، أو العدوى، أو الفطريات، وإن كانت الإصابات هي أكثر الأسباب شيوعاً خلف ظهور وتطور المرض. وبغض النظر عن الأسباب، لازال التهاب المفاصل مرضاً مستعصياً على العلاج إلى حد كبير. فعشرات الملايين، وربما مئات الملايين، من وصفات مضادات الالتهاب غير السترويدية التي تصرف للمرضى حول العالم، لا تزيد عن كونها مسكِّنات ومضادات للالتهاب، لا تشفي المرضى من مرضهم بشكل نهائي. وحتى الطائفة الجديدة من هذه العقاقير (Cox-2 Inhibitors)، اكتشف أن بعضها يزيد من احتمالات الإصابة بالذبحة الصدرية والسكتة الدماغية، مما أدى إلى سحبها من الأسواق قبل بضعة أعوام. وإن كانت أكبر المفاجآت على صعيد علاج التهاب المفاصل التحللي، هي نتيجة الدراسة التي احتواها العدد الأخير من دورية طبية مرموقة (New England Journal Of Medicine)، وخلصت إلى أن أحد الأساليب الجراحية الواسعة الانتشار، منظار الركبة (Arthroscopy)، هو عديم الفائدة في تخفيف آلام وإعاقة المرضى. ويهدف هذا التدخل الذي يتم من خلال فتحات صغيرة في الركبة، إلى غسل الفراغ الموجود داخل المفصل، وتخليصه من بقايا الغضاريف المتآكلة، ومحاولة تنعيم الأسطح الداخلية للمفصل لمنع الاحتكاك ووقف الآلام الناتجة عنه. وتوصل علماء جامعة "وسترن أونتاريو" في كندا لهذه النتيجة، من خلال مقارنة حالة مجموعة من المرضى يتلقون علاجاً طبيعياً ومسكن آلام عادياً، بحالة مجموعة من المرضى تعرضوا للتدخل الجراحي، بما يحمله من مخاطر ومن تكلفة مالية. وكانت المفاجأة أنه بعد مرور فترة كافية على التدخل الجراحي، كانت شدة الآلام، ودرجة الإعاقة، واحدة بين المجموعتين. وهو ما يعني ببساطة أن استخدام منظار الركبة لتخفيف آلام مرضى التهاب المفاصل التحللي، وبالتحديد في الحالات متوسطة الشدة من المرض، هو إجراء عديم الجدوى، على رغم انتشار تطبيقه بشكل واسع. وفي ظل هذه النتيجة المؤسفة، وعلى خلفية المضاعفات الخطيرة التي ارتبطت بالمجموعة الجديدة من مضادات الالتهاب، تصبح الخيارات محدودة في مساعدة مرضى التهاب المفاصل. ويبقى خيار استبدال مفصل الركبة بمفصل اصطناعي، على رغم شدته والحاجه إلى تكراره كل عشر سنوات، هو أفضل الخيارات المتاحة حالياً لتخليص هؤلاء المرضى من آلامهم، ومساعدتهم على استعادة قدرتهم على الحركة. أما بعض المضافات الغذائية (Food Supplements) التي تتواجد في الصيدليات، ويلجأ إليها البعض لتخفيف آلامهم، فلا زالت هي الأخرى محل جدل وخلاف كبير في الأوساط العلمية. وإلى أن يصدر رأي نهائي في فعالية هذه المضافات، وفي ظل خبر هذا الأسبوع، تظل الخيارات المتاحة لمرضى التهابات المفاصل محدودة بدرجة كبيرة. د. أكمل عبدالحكيم