يمكننا أن ندعي مستندين إلى العديد من الحقائق والأحداث أن الذكرى السابعة لتفجيرات 11 سبتمبر الإرهابية في أميركا، مختلفة عن الأعوام الستة السابقة من حيث ظهور نتوءات وتحديات واضحة، وثقوب عديدة في الجدار الفولاذي الأميركي الذي تقف وراءه إدارة رئيس يفاخر بأنه رئيس حرب، ويخوض ثلاث حروب معاً في العراق وأفغانستان، وما يسميه منذ 11 سبتتمبر 2001 "الحرب العالمية على الإرهاب" بدلاً من تسميتها "محاربة الإرهاب" كما هو مفترض أن تكون التسمية واقعياً وقانونياً. وسيترك الرئيس بوش إرثاً ثقيلاً لخليفته سواء أكان ماكين أو أوباما، وفي مقدمة ذلك الإرث سجل الحروب المفتوحة التي لم يتم حسمها بعد، وسط تحدٍّ متنامٍ للهيمنة الأميركية في أكثر من مكان حول العالم، وتراجع للاحترام والرهبة من واشنطن. مع تصاعد روح التحدي والسعي نحو التغيير والندية التي نشهدها متداخلة في أكثر من مكان آخر. ويمكن الإشارة هنا إلى التحدي الروسي القوي في القوقاز وعدم الالتفات لتحذيرات وتلويحات واشنطن وصولاً إلى إرسالها لقاذفاتها المقاتلة إلى حديقة واشنطن الخلفية في فنزويلا. ثم استئساد اليساريين الجدد الذين وصلوا للحكم في بعض دول أميركا اللاتينية حيث زاد وهَن واشنطن في حديقتها الخلفية بشكل بالغ، وقد أشار إلى ذلك بوضوح طرد السفيرين الأميركيين في بوليفيا -لتدخله في شؤونها- وفنزويلا -لدوره في محاولة الانقلاب- هذا وسط موجة طرد متبادل للسفراء ساندتها دول أخرى في أميركا اللاتينية مثل نيكاراغوا وهندوراس مستفيدتين من وضع "البطة العرجاء" لإدارة بوش في أشهرها الأخيرة. وفي المقابل يبدو الوضع العربي أقل تحدياً من روسيا وأميركا اللاتينية، بتأكيد عبد الرحمن شلقم وزير الخارجية الليبي أن زمن المواجهة مع أميركا قد ولَّى! وهو ما لا تتفق معه روسيا وكوريا الشمالية وحتى فنزويلا وإيران. ويكفي غياب الرئيس بوش عن حضور مؤتمر حزبه مؤخراً، وتراجع الحديث عنه كلياً حتى داخل حزبه الجمهوري. وبدا ملفتاً ابتعاد ماكين من الظهور معه في الجولات الانتخابية، وسعيه لنفي أن إدارة ماكين إذا ما فازت بانتخابات الرئاسة الأميركية لن تكون امتداداً لإدارة بوش أو ولاية ثالثة لها، في تأكيد واضح لسلسلة الأخطاء والنكسات التي حفلت بها إدارة بوش. وفي المجمل تتكشف حقيقة واضحة الآن هي أن الولايات المتحدة الأميركية خلال سنوات الرئيس بوش الثماني الماضية لم تنجح لا في كسب العقول والقلوب، ولا في ترسيخ تعاطفنا مع أميركا، بل زادت حدة الخلافات ووصلت الثقة إلى مستويات دنيا من التقدير. وفاقمت تلك الاستراتيجية والحسابات الخاطئة في العراق وأفغانستان وغوانتانامو وأبو غريب التباين والخلافات بين أميركا وحلفائها بالدرجة الأولى، ولم ينجُ حتى الحلفاء من سيل النقد والسياسة "غير الودية" وخرق سيادتهم والتجسس عليهم. وهناك أيضاً النظرة التي تترسخ في كل ذكرى لتلك الهجمات الإرهابية بأن أميركا لم تكن مستعدة لحماية أرضها وشعبها، وها هي بعد سبعة أعوام من الحرب على الإرهاب والتشريعات والتشدد في القوانين المشكوك في دستوريتها والتضييق على الحريات وخاصة على العرب والمسلمين الأميركيين في داخل أميركا، وعلى العرب والمسلمين حول العالم، تفتقد بوضوح ما تدعيه من تفوق وعلو كعب في قضايا حقوق الإنسان. وتزداد الصورة قتامة بالتقييم السلبي للجهات الأمنية لاستعدادات أميركا لحماية البلاد بتقدير "جيد" بعد كل ذلك الإنفاق والتشدد وحتى التجاوزات، مما يوحي بأن حرب أميركا على الإرهاب لم تحسم وأنها لم تتنصر بعد، خاصة مع تصريح قائد الأركان العامة للقوات المسلحة الأميركية، بأنه غير مقتنع بأن أميركا تحقق انتصاراً في أفعانستان على رغم قرار إرسال أكثر من أربعة آلاف جندي. وعلى رغم أن إدارة بوش نجحت في منع وقوع هجوم إرهابي على أراضيها منذ هجمات سبتمبر إلا أن الفوضى الخلاقة التي سببتها أدت إلى حالة غير مسبوقة من اللااستقرار والعنف وزيادة معدلات وخطورة وضحايا الإرهاب. وعززت الأخطاء والحسابات الخاطئة للاستراتيجية الأميركية والحروب الاستباقية والغزو والاحتلالات من نفوذ وتمدد إيران التي ملأت الفراغ واستفادت من الفراغ الاستراتيجي الذي كان نتاجاً طبيعياً لتلك المغامرات التي تم تبريرها وتسويقها وتخصيص 800 مليار دولار لها في العراق وأفغانستان باسم "الحرب على الإرهاب". والحال أن بوش سيغادر البيت الأبيض في يناير في حين أن بن لادن وقادة تنظيم "القاعدة" الذين اعترفوا بمسؤوليتهم عن العمليات لا يزالون أحراراً على رغم إصرار بوش على تعقبهم وادعاء ماكين أنه قادر على ذلك. إنه حصاد سبعة أعوام من مسلسل الأخطاء والحسابات الخاطئة وحروب الاختيار وليس بالضرورة إرثاً ناجحاً راكمته إدارة بوش ويريد ماكين وسارة بالين استمراره وتنقيحه بتسطيح وسذاجة تلامس البلاهة، من خلال التركيز على ضرورة محاربة التطرف الإسلامي دون الحديث عن السياسات الأميركية التي تفاقم الأوضاع وتتحول إلى أوكسجين لكل أنواع المتطرفين والمتشددين.