يبدو أن شهر العسل الذي ساد العلاقات الروسية -الغربية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، قد قارب على الانتهاء بعد أزمة القوقاز بين جورجيا وروسيا... عندما تدخلت القوات الجورجية في الشهر الماضي في إقليم أوسيتيا الجنوبية وجاءت ردة الفعل الروسية لدعم الطموحات الانفصالية لإقليمي أبخاريا وأوسيتيا الجنوبية اللذين تقطنهما أغلبية روسية. موسكو أكدت أنها لا تحمل طموحات إمبريالية ولا تريد التعرض لسيادة جيرانها من دول الاتحاد السوفييتي السابق... رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أكد أنه لا يوجد أساس لحرب باردة جديدة، داعياً الغرب إلى عدم بدء سباق تسلح في أوروبا. كما أكد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن بلاده مستعدة لمواصلة التعاون مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب. الخلاف بين موسكو والغرب أكبر من مقاطعتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، فحقيقة الخلاف تعود إلى نظرة الغرب لروسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. جميع المراقبين السياسيين توقعوا "إدماج" روسيا في الغرب والارتباط معه بعلاقات استراتيجية طويلة الأمد تصب في مصلحة الطرفين، لكن ذلك لم يحدث لأن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تنظر بقلق إلى تنامي قوة روسيا وعلاقة موسكو بالجمهوريات السوفييتية السابقة. لقد تصرفت القيادات الغربية مع موسكو بأسلوب الإملاء دون وعي بأن الروس يشعرون بأن بلادهم لديها تاريخ طويل كدولة وإمبراطورية قوية، وأنهم إذا كانوا يريدون توسيع علاقتهم التجارية والاقتصادية وغيرها مع الغرب فإن ذلك لا يعني قبولهم للوصاية الغربية. أحداث جورجيا هي القشة التي قصمت ظهر البعير، فالروس اليوم اتخذوا نهجاً وأسلوباً جديداً عماده التركيز على مصالحهم الوطنية، وشعورهم بأنهم دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً ولها شبكة علاقات ممتازة بالعديد من الدول في العالم... وأن موسكو ستكون منافساً قوياً للغرب ومن حقها أن تطالب بمكانتها الصحيحة في المجتمع الدولي. لقد أخطأ الغرب بحق موسكو عندما أعلن في البداية، بعد سقوط الشيوعية، بأنه سوف يعامل موسكو معاملة خاصة تليق بها، وأنه سوف يقبلها في معسكره لكن دون دمجها في أوروبا، فالغرب يريد من روسيا أن تكون ديمقراطية على نمطها الخاص وأن تفتح أسواقها وحدودها، وتتخذ سياسات مؤيدة للغرب دائماً... لكنهم في الوقت نفسه يتخوفون من موسكو ولا يثقون بها. وقد توسع حلف شمال الأطلسي نحو الشرق بضمه بلدان حلف وارسو ومجلس المساعدات الاقتصادية المتبادلة. وبدخول بولندا وبلدان البلطيق إلى الاتحاد الأوروبي، فإن التوجه الشامل للغرب أثار مخاوف موسكو، خصوصاً بعد اتفاق لنشر درع صاروخية ونظام راداري أميركيين في بولندا وتشيكيا. روسيا أكدت أن منطقة أوسيتيا الجنوبية لا تنوي الانضمام إلى الاتحاد الروسي... القيادة الروسية أكدت أنه لا يوجد أساس للحرب الباردة أو العداء المتبادل، فروسيا ليست مؤيدة للغرب لكنها أيضاً ليست مناوئة له. روسيا اليوم تحولت إلى دولة قومية قوية تريد الحفاظ على مصالحها وعلى الدول الغربية التركيز على المصالح الذاتية المشتركة بدلاً من إثارة الأزمات والحروب.