في ركن الشرف في حجرتنا الخاصة، يستطيع الزائرون أن يروا صورة تضمني أنا وزوجتي ومعنا كلب. ننظر إلى كلبتنا الألمانية من فصيلة "شيبرد" بإعجاب بالغ لما تتميز به من لطف بالغ وذكاء خارق. ولكنها ليست الكلبة التي تبدو في الصورة كما قد يعتقد البعض. فالحقيقة أن تلك الكلبة التي تبدو في الصورة، والتي لا يزال من الممكن العثور على بقايا من شعرها في الملابس الخاصة التي كنا نرتديها في ذلك اليوم كانت أشهر كلبة في العالم في وقتها، أي في الوقت الذي تم التقاط الصورة فيه. يرجع السبب في ذلك، إلى أن تلك الكلبة التي كانت معروفة باسم "سنابي" كانت أول كلبة يتم استنساخها في العالم، وكنا قد تعرفنا إليها لأول مرة في "جامعة سيول الوطنية" في كوريا الجنوبية عام 2005. وفي تاريخ لاحق زرنا المنشأة مرة أخرى، وقد ارتدينا ثياباً معقمة مما يتم ارتداؤها عند دخول المختبرات، حيث التقطنا صورة مع "سنابي" وشاهدنا الأساتذة والتلاميذ الكوريين، وهم يعملون بدأب من أجل تطوير تقنيات الاستنساخ، ودفعها إلى المزيد من التقدم. لقد كانت هذه التجربة التي لا تنسى عظيمة حقاً -حتى وإنْ كان رئيسا ذلك المختبر وهما العالمان "هوانج وو ساك"، و"لي بايونج تشن"، قد اتهما فيما بعد بتقديم ادعاءات مزيفة (لا صلة لها بسنابي). فمن حسن الحظ، أن "سنابي"، وعلى الرغم من المساجلات كافة، ووقائع الفساد، وقضايا المحاكم، التي دارت حولها كانت -ولا تزال- تمثل البضاعة الأصلية: أي أول كلبة مستنسخة في العالم. والذي أعاد ذكرى "سنابي" إلى الأذهان هو إعلان صدر منذ عدة أسابيع عن "أول" كلاب مستنسخة. كان هذا الإعلان في صورة خبر يعلن عن بيع أول خمس "جراء" مستنسخة في "مختبر لي"، وهو مختبر كوري جديد، إلى امرأة أميركية من كاليفورنيا تعاني الحزن الشديد، بسبب فقدها لـ"ثورها" المدلل. ولكن الاستنساخ لا يتعلق بالكلاب فقط. ففي السنوات التي مضت منذ استنساخ النعجة "دولي" في اسكتلندا عام 1996، تم استنساخ أنواع مختلفة من الحيوانات شملت خنازير، وخيولاً، وغزالاً، وبقرة، وماعزاً، وكلاباً، وقططاً، وفئراناً، وجرذاناً. ولم يكن المقصود بإجراء معظم حالات الاستنساخ هو تعويض بعض البشر الحزانى عن حيوانات مدللة مفقودة. فالبعض ينظر إلى استنساخ الماشية، مثلاً باعتباره طريقة من الطرق التي يمكن بها إنتاج أنواع من اللحوم ومنتجات الألبان المُحَسّنة، وعرضها للبيع. ومما يُشار إليه في هذا السياق، أن "إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية"، قد أعلنت هذا العام أن اللحوم والألبان الخاصة بالخنازير والأبقار والماعز المستنسخة آمنة، ولا خطر من تناولها. وقد اتخذت "هيئة سلامة الأغذية الأوروبية" موقفاً مماثلاً وإنْ كان أكثر حرصاً من موقف نظيرتها الأميركية. على الرغم من تلك الموافقات، فإن قليلين فقط هم الذين يتوقعون رؤية منتجات الحيوانات المستنسخة، على أرفف محال البقالة، ويقولون إنه حتى إذا ما حدث ذلك، فإنه لن يكون سوى بعد سنوات عديدة- على أقل تقدير. البعض الآخر، ينظر إلى عمليات الاستنساخ على أنه وسيلة للمحافظة على بقاء الأنواع المعرضة لخطر الانقراض، أو تحسين الصحة العامة للبشر. ويُشار في هذا السياق إلى أن هناك 60 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها، يتلقون في الوقت الراهن علاجاً يعتمد على صمامات قلبية مستمدة من الخنازير كل عام. إلى ذلك اُستخدمت أكباد الخنازير بنجاح لتصفية المواد السامة من منظومات الدم البشرية، كما تم استخدام خلايا مستخرجة من أمخاخ أجنة الخنازير في علاج المصابين بمرض باركينسون (الشلل الرعاش). بينما تنتشر ممارسات مثل هذه، فإن الكثيرين يؤمنون، والكثيرون منهم يخافون أن يؤدي التقدم المطرد في تقنيات الاستنساخ، إلى استنساخ الكائن البشري نفسه في نهاية المطاف، ومن ثم إلى إعادة تعريف ما نقصده بكلمة "بشري" في المقام الأول. وهذه الآراء المتضاربة ستتبلور في صورة سجال كبير يُتوقع انفجاره في السنوات المقبلة. إن الفكرة القائلة إن ما ننظر إليه الآن على أنه "بشري" سوف يتغير في المستقبل المنظور، قد تبدو وهماً من الأوهام، ولكن الحقيقة هي أن تلك الفكرة تكتسب في الوقت الراهن رواجاً لدى الأشخاص الأذكياء في العديد من الدوائر. لذلك، يتخيل "راي كارزويل" -في كتابه القيم المعنون "التفرد قادم في الطريق"- مستقبلاً تصبح فيه أجهزة الحاسوب والشبكات العملاقة المتطورة أكثر ذكاء من البشر الذين يستخدمونها، أو تندمج مع هؤلاء البشر في كيان واحد. يقلل "جريجوري ستوك" في كتابه المعنون "إعادة تصميم البشر" من أهمية هذا الاحتمال، ولكنه يذهب مع ذلك إلى أن هناك تحولاً أكثر عمقاً للبشر، قد يترتب على التقدم السريع في مجال الاستنساخ والجينات. وهذان الكتابان -للعلم- ليسا من كتب الخيال العلمي. والآن، إذا ما أضفنا إلى الاحتمالات التي يوردها هذان الكتابان، الاكتشاف المحتمل لبعض أشكال الحياة في الفضاء خلال العقود المقبلة، وأضفنا لذلك أيضاً التطورات الدراماتيكية التي يمكن أن تأتي من حقل تقنية الجزيئات بالغة الصغر(نانو تكنولوجي)، وغيرها من التقنيات الموجودة هنا على سطح الأرض، فإننا يمكن أن نتخيل ما الذي يمكن أن يؤول إليه أمر الاستنساخ في خاتمة المطاف. قد تبدو هذه الاحتمالات غير واردة الحدوث، أو على الأقل واردة الحدوث، ولكن بعد سنوات طويلة في المستقبل، مما يوجب عدم أخذها بجدية في الوقت الراهن. ولكننا إذا ما قمنا بتجميع تلك الاحتمالات معاً بطرق لم يتخيلها أحد بعد، وأضفنا إلى ذلك المزيد من التطورات المهمة، التي ستحدث في علم المخ والأعصاب وغيره من العلوم ذات الصلة، فإن المحصلة التي سننتهي عندها سوف تكتسب قوة وأهمية تفوق ما تتمتع به تقنية الاستنساخ وحدها في الوقت الراهن. باختصار، يمكن القول إن البشر قد ينقسمون حول تلك المحصلة إلى قسمين: قسم يرى أنها غير واردة الحدوث، أو أنها ستحدث بعد وقت طويل في المستقبل، وبالتالي فإنها غير مهمة في الوقت الراهن. وقسم آخر، يرى أن احتمال تجمع تلك الاحتمالات في نقطة واحدة مستقبلاً يشي بإمكانية حدوث إعادة تعريف للأجناس البشرية في الفترة المقبلة. والسؤال هنا: من على صواب ومن على خطأ؟ والإجابة: اسألوا "سنابي". ـــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"