الابتكار في الولايات المتحدة، وكذلك تمويله، يمران بمنعطف حرج قد يؤثر على مكانة أميركا في العالم في نهاية المطاف. هذه هي الفكرة المركزية لكتاب "غلق الفجوة الابتكارية وإعادة إيقاد شعلة الابتكار في الاقتصاد العالمي", لمؤلفته "جودي إيسترين" مديرة قطاع التقنية السابقة في إحدى كبريات الشركات الأميركية. هذه الفكرة قد تدفع الكثيرين في الولايات المتحدة، وربما خارجها، ممن لهم إلمام بتطورات المشهد التقني فيها للاعتقاد بأن ما تقوله المؤلفة غير دقيق، لأن وادي السيلكون في كاليفورنيا وهو الأكبر من نوعه في العالم، يعج بالحركة والنشاط ويشهد كل يوم مولد شركات جديدة. والمؤلفة ترى أن من يعتقد ذلك عند قراءته لهذا الكلام للوهلة الأولى معذور، لأن الكثير منهم لا يعرف أن الشركات التي تظهر بشكل دائم في وادي السيلكون، هي شركات صغيرة تدخل السوق لا لهدف الاستمرار كوحدة مستقلة راغبة في المنافسة والاستمرار والنمو في هذا، وإنما بهدف أن تنتبه إليها إحدى الشركات الكبيرة فتقوم بالاستحواذ عليها مقابل مبلغ كبير يحصل عليه أصحاب الشركة. تكرار هذه العمليات يعطي إيحاءً زائفاً بأن هناك حالة من الازدهار في الابتكار، وحالة من الاكتفاء في تمويله، في حين أن الواقع يكذب هذه الصورة. وتحاول المؤلفة توضيح المسألة أكثر فتقول: "في كثير من الأحيان يبدو لنا وكأن هناك حالة من الازدهار في حين أن هذا الازدهار في حقيقته سطحي وقصير الأمد". ومع اعتراف المؤلفة بأن هناك منتجات جديدة في مجال تقنية المعلومات تظهر باستمرار للسوق فإنها ترى أن معظم المنتجات الكبرى التي حقت قدراً كبيراً من الذيوع والشهرة مثل "آي بود" لأبل ماكينتوش، وخدمة الشبكات الاجتماعية "فيس بوك" ليسا نتاجا حديثا وإنما تم تطويرهما منذ عدة عقود. وهي ترى أيضاً أنه ما لم يقم رجال الأعمال بتطوير تقنيات جديدة من خلال المساهمة بسخاء في تمويل عملية الأبحاث والتطوير لمثل تلك التقنيات, فإن وادي السيلكون سيجد نفسه في موقف صعب خلال العقود القادمة, وهو موقف له تداعيات خطرة بالنسبة للولايات المتحدة خصوصاً أن هناك الكثير من القرى الذكية المماثلة لوادي السيلكون الأميركية تظهر وتتطور بشكل حثيث في العديد من دول العالم، والتي وإن كانت لا ترقى في مستواها العلمي والابتكاري لمستوى الولايات المتحدة ، فإن استمرار تدهور العملية الابتكارية في الولايات المتحدة يمكن أن يؤدي إلى فقدان أميركا لريادتها في المجال التقني. تبدو أهمية ذلك من خلال الإحصائيات التي تثبت أن دراسة المواد العلمية والرياضيات والهندسة في الولايات المتحدة قد تأخرت بالفعل مقارنة بما هو عليه الحال في كثير من الدول الأخرى. والمؤلفة تشبه الوضع في وادي السيلكون بشجرة تبدو في الظاهر زاهية الخضرة يانعة الأزهار في حين أن جذورها المدفونة تحت الأرض تتعرض لتحلل بطيء ومستمر. واللافت للنظر أنه رغم ما يعاني منه وادي السيلكون من تباطؤ في النمو التقني، ومشاكل في عملية التمويل فإن الوضع فيه يعتبر أفضل من الوضع في بقية أجزاء البلاد. ففي تلك الأجزاء تعاني الصناعات بأنواعها المختلفة من ضعف الابتكارات التي تساعد على تحسين منتجات الصناعات وتطويرها حتى تتمكن من المنافسة في السوق العالمية التي تشهد صراعا شرسا بين الدول المختلفة. وترجع المؤلفة سبب تدهور عملية الابتكار إلى تدهور المنظومة التعليمية الأميركية ذاتها وعلى وجه الخصوص في تدريس مواد العلوم والرياضيات والهندسة سواء في المدارس الثانوية أو في الجامعات. وقد وصلت الأزمة في هذا المجال إلى درجة أن العديد من الشركات والصناعات في أميركا تشتكي حالياً من النقص في عدد خريجي الجامعات بسبب اتجاه الطلاب إلى دراسة المواد النظرية أو المواد التي لا تلبي حاجة سوق العمل، لدرجة أن بعض مديري تلك الشركات الصناعية والهندسية يقولون إنهم يوجهون نصائحهم لموظفيهم بضرورة العمل على إقناع أبنائهم بالتوجه لدراسة المواد العلمية والهندسية حتى يستطيعوا الحصول على حاجاتهم من الموظفين. وتقترح المؤلفة حلاً للخروج من تلك الأزمة، ويتمثل في دعوة تحاول من خلالها إقناع رجال الأعمال الأميركيين الذين يرغبون في تحقيق ربح سريع من خلال تكوين شركات تعمل في السوق لفترة قصيرة ثم يقومون ببيعها لشركات أكبر, أن يكونوا أكثر رغبة في تحمل المخاطرة من خلال مواصلة البقاء في السوق حتى تكبر شركاتهم وتزدهر بنفس الطريقة التي نمت بها شركات كبرى في عالم التقنية مثل مايكروسوفت. فمثل هذه الشركات دخلت السوق في البداية كشركات صغيرة, لكنها اهتمت بمواصلة الطريق، وركزت على الأبحاث والتطوير، وتمكنت من تطوير تقنيات أتاحت لها النمو والازدهار، كما أتاحت لها في نهاية المطاف السيطرة على سوق التقنية في العالم بأسره، وهو الأمر الذي كان له مردوده الإيجابي على الاقتصاد العالمي الذي انتعش بانتعاش تلك الشركات الرائدة. سعيد كامل ـــــــــــــــــــــ الكتاب: غلق الفجوة الابتكارية وإعادة إيقاد شعلة الابتكار في الاقتصاد العالمي المؤلفة: جودي ايسترين الناشر: ماكجرو هيل بابليشنج تاريخ النشر: 2008