منذ فترة قصيرة (في شهر يونيو تحديداً) كتبت وزملاء لي في هذا المكان وغيره مقالات تنتقد ما جاء في تفاصيل اعتصام المعلمين وأسرهم أمام مبنى وزارة التربية والتعليم في دبي رداً على قرارات نقلهم إلى جهات أخرى كانت الوزارة قد طبقتها عليهم. ورفضنا وقتها فكرتين: إساءة استغلال البعض "المساحة" التي تسمح لهم بالتعبير عن رأيهم باعتبارها نوعاً من أساليب الضغط على الحكومة لإجبارها على التراجع عن قرارها الذي جاء حماية للعملية التربوية في الدولة لأن "أدلجة" التعليم بأي فكر كان هو ليس من صميم العملية التربوية وبالتالي لا يمكن القبول به بتاتاً. كما رفضنا أيضاً وقتها فكرة الانتماءات عبر الحدود باعتبارها "خطا أحمر" لا يجوز تجاوزه أو العمل على الإساءة للوطن من خلال الاستقواء عليه بالخارج؛ فهذه فكرة مرفوضة. وقبل يومين انتقد مقال ما كتبناه انطلاقاً من المادة الثلاثين في دستور دولة الإمارات والتي تنص على أن حرية الرأي والتعبير بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون وأبدى كاتبه استغراباً لتلك الحملة الإعلامية على المعلمين والذين لم يكونوا في اعتقاد الكاتب يريدون سوى إيصال صوتهم للمسؤولين في الدولة والاستغراب بني هنا على حالة التجاوب لبعض الكتاب إيجاباً مع المظاهرات الـ"تمثيلية" لمسلسل "حاير طاير" بسبب التغيرات الحاصلة في الحياة اليومية للمواطن الإماراتي من مسكن ومواد غذائية في مقابل أن البعض من هؤلاء الكتاب هم من انتقدوا اعتصام المعلمين. لا مجال للشك في أن التجاوب الإيجابي مع الاعتصام والتعبير عن الرأي في الدراما والمسلسلات يختلف عنه مع اعتصام المعلمين الذي كانت له أهداف غير تلك المعلنة لذا فإن موقفنا لم يكن متحاملاً على المعلمين. حقيقة يخطىء من يعتقد أن هناك اختلافاً في فهم مسألة حرية الرأي في دولة الإمارات لمجرد الاختلاف في الأفكار وفي الطريقة التي يريد البعض أن يعبر بها عن رأيه وإيصال صوته للمسؤلين في الدولة طالما أن التناول سلمي ومادام هذا التعبير في الإطار الموضوعي له ومنطلقاً من الداخل الإماراتي ولا علاقة له بتوجيهات عابرة للحدود علماً بأن مسألة الولاء أمر لا يمكن تقسيمه أو تجزئته وبالتالي فإن تلقي التعليمات من الخارج هو محور الخلاف مع المعلمين. حرية التعبير والتظاهر السلمي والاعتصام إذا نفذت سواء بحسن نية أو بغيره ولكن بجهل من البعض أعتقد أنها ستتحول إلى فوضى كبيرة وسيدفع الوطن ثمناً غالياً إذا لم يبادر البعض منا إلى التنبيه ووضع الخطوط الفاصلة بين حرية التعبير وبين الإساءة للدولة علماً بأن ما قامت به وكالات الأنباء العالمية من تغطية للاعتصام كان مرتباً له مسبقاً ما يعطي دلالة بأن الأمر كله لم يكن عن حسن نية لذا كان يحتاج إلى الحزم والصرامة قبل أن يتحول إلى صوت شاذ. قد يكون مقبولاً السماح بأن تخرج المظاهرات والاعتصامات كتعبير عن الرأي عندما ينحصر الأمر في كونه إماراتياً خالصاً وليس له أي علاقة بانتماءات لأفراد من خارج الدولة وأعتقد أن الكل يتفق معي في ذلك فهو أمر حضاري بالتأكيد ودليل على رقي المجتمع وأفراده إلا أن الأمر يكون من الخطأ السكوت عليه عندما تأتي التوجيهات من خارج الحدود فهنا تكون دولة الإمارات هي المستهدف. الخروج عن القانون لا يمكن بأي حال من الأحوال تبريرهٌ وهذا مربط الفرس في المقارنة بين السماح بالاعتصام باعتباره حقاً يكفله القانون وبين إساءة استخدام هذا الحق وفي هذه الحالة لا يمكن الحكم بأن هذا التعبير يتفق مع قانون الدولة لأنه لن يدعم أركانه ولن يساهم في حل المشكلة بل سيؤدي إلى خلق حالة من الفوضى ومن هنا كان واجبنا نحن من كتب منتقداً أن نقف جميعاً في مواجهة الإساءة للدولة. لقد كان همنا -ونحن نكتب من واقع تفاصيل- أولاً وأخيراً دولة الإمارات ومصلحتها فلو أمكن تمرير ذلك الموقف هكذا ودون وقفة حازمة فربما واجهنا حالة من الانفلات والتسيب.