يعتبر "باراك أوباما" و"جون ماكين" من أكثر الشخصيات الأميركية التي دخلت مجال الحياة العامة إثارة للإعجاب. فكلاهما متمكن تماماً من أدواته، واثق تماماً من نفسه كما تبين بوضوح أثناء حملات كل منهما الانتخابية، والتي بدأت تحت ظروف مناوئة. مع ذلك فإنهما -لحد الآن- لم يُفصّلا في حملتيهما وجهات نظرهما حول المسائل الجوهرية المتعلقة بالأمن القومي، والتي يمكن للناخب الأميركي أن يبني عليها خياره الحر في الانتخابات التي ستجري في نوفمبر القادم. فعلى الرغم من أنه لم يعد يفصلنا عن موعد الانتخابات سوى أسابيع قليلة فإن غالبية الأميركيين لا يفهمون حتى الآن الطريقة التي يقارب بها هذان الرجلان المشكلات ويحللانها. وبدون معرفة واضحة بالفروق الجوهرية بين أسلوبيهما في مقاربة المشكلات، فإننا سنجد أنفسنا منخرطين في نوبة محمومة من استطلاعات الرأي، والصحافة الرخيصة، والمعارك الصغيرة، والإدعاءات المتبادلة. وفي هذه الأيام التي توافق الذكرى السابعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر المروعة- والتي كان من المفروض أن يضع فيها المرشحان خلافاتهما وتنافسهما السياسي والانتخابي جانباً، ويظهران سوياً في موقع برجي مركز التجارة المدمر تقفز أمامنا العديد من الأسئلة التي نرغب من المرشحين الاثنين أن يجيبا عليها ومن تلك الأسئلة على سبيل المثال: 1. يوجّه المسؤولون الأفغان اتهاماً مؤداه أن بعض العناصر في الحكومة الباكستانية، تسعى لتقويض بلدهم من خلال التواطؤ من أجل توفير ملاذ آمن لمقاتلي تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" لتمكينهم من عبور الحدود وشن هجمات في أفغانستان... فهل ستقوم أيها المرشح- سواء كان أوباما أو ماكين- بشن هجمات عسكرية واسعة النطاق على ملاذات هذه العناصر الإرهابية في باكستان، حتى إذا لم تكن الحكومة الجديدة في ذلك البلد راغبة في ذلك -أو حتى غير قادرة- على قمع هذه الجماعات المقاتلة وترفض منح الولايات المتحدة إذناً بالعمل؟ 2. لعدة سنوات ظل العالم يقف متفرجاً على أعمال التطهير العرقي، والتي تتم في إقليم دارفور... هل أنت على استعداد لرسم القواعد والخطوط اللازمة للتدخل الأميركي في أزمة هذا الإقليم؟ وإذا ما كان الأمر كذلك، فما هي هذه القواعد؟ وهل ستكون راغباً في تشكيل تحالف للراغبين كي يتدخل في الإقليم؟ أم أن الولايات المتحدة يجب توكل المهمة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإقليمية حتى وهي تعرف أنها تعاني من مشكلات عديدة؟ 3. لقد مرت خمس سنوات على نجاح قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في إطاحة صدام حسين من السلطة في بغداد... فكم من الوقت ترى أن القوات الأميركية يجب أن تبقى في العراق، إذا ما رأى القادة العسكريون الميدانيون أن أي أنسحاب من هناك سوف يؤدي إلى حالة من الفوضى العارمة؟ أم أنه يجب على الولايات المتحدة اتخاذ قرار الانسحاب بناء على جدول زمني معد مسبقاً بصرف النظر عن تداعيات ذلك بالنسبة للعراق؟ 4. هل سترخص باستخدام القوة من قبل الولايات المتحدة، أم أنك ستتعاون مع إسرائيل من أجل ضرب إيران لمنعها من تطوير أسلحة نووية خصوصاً إذا ما تبين أن الجهود الدبلوماسية قد أخفقت في تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال؟ 5. على ضوء عجز مجلس الأمن الدولي في البوسنة، وكمبوديا، وراوندا، وزيمبابوي، وغيرها من البلدان يرى الكثير من الخبراء أن المنظمة الدولية لم تعد هي الأداة الفعالة في مواجهة الدول المارقة، والإرهاب، والإبادة الجماعية... فهل تحبذ -على ضوء ذلك- توسيع نطاق حلف الناتو، أم تفضل استخدامه كنموذج لخلق تحالف بين الديمقراطيات؟ 6. ما الذي يجب على الولايات المتحدة أن تفعله من أجل تدعيم المباحثات التجارية خصوصاً بعد إخفاق جولة الدوحة التي عقدت في جنيف؟ وهل ستسعى الولايات المتحدة إلى إحياء المفاوضات متعددة الإطراف؟ وإذا ما كان الأمر كذلك... فكيف؟ 7. غزو روسيا لجورجيا كان تعبيراً عن امتعاض موسكو من انضمام دول حلف وارسو السابقة إلى حلف الناتو، وسماحها للولايات المتحدة بإنشاء منظومات صاروخية دفاعية على أراضيها... وطالما أن الأمر كذلك فهل ستعمل على استعادة السيادة الجورجية على إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا؟ وإذا ما كنت ستفعل فكيف ومتى؟ 8. لقد تكلمتما سوياً عن الشراكة العالمية في معالجة طائفة من المشكلات المتنوعة مثل التغير المناخي، وانتشار الأسلحة النووية، والإرهاب... فما هي الحوافز التي يمكنكما تقديمها للحلفاء المحتملين من أجل تأسيس تلك الشراكة؟ 9. عدم الاستقرار السائد في الشرق الأوسط يبرز مدى حاجة الولايات المتحدة إلى تحقيق الأمن في مجال الطاقة وخصوصا من خلال استخدام تقنيات جديدة... فما هي التقنيات التي تحبذها، وكيف يجب على الحكومة أن تعمل على الترويج لها أم أنك -على ضوء الزيادة في أسعار النفط- تريد أن تترك المسألة لقوى السوق؟ 10. ما هو الفارق الجوهري بينك وبين خصمك فيما يتعلق بجوهر مقاربتك لمشكلات الأمن القومي التي تواجه الولايات المتحدة؟ إن الاختيار بين مرشحين مختلفين أو أكثر يمثل جوهر العملية الانتخابية في الولايات المتحدة... وإذا ما أُعطي الأميركيون الفرصة للاختيار بناءً على أسس واضحة، كما كان الحال في انتخابات 1964 وانتخابات 1980، فسيستطيعون الاختيار بوضوح وثقة أمام صناديق الاقتراع، أما إذا لم يمنحوا تلك الفرصة، فإن الفائز قد يخاطر في تلك الحالة بقبول تفويض هش من الشعب، سرعان ما سيتآكل في وجه التحديات التي تجنب التطرق إليها بشكل مباشر في الحملة الانتخابية. فكما يذكرنا تاريخ الحادي عشر من سبتمبر -وعلى نحو مؤلم في الحقيقة- فإن تلك التحديات لا تزال تطرح نفسها بقوة في عالمنا المعاصر. ---------- فيليب بوبيت أستاذ القانون بجامعة كولومبيا ــــــــــــــــــــــ جون سي. دانفورث سفير الولايات المتحدة الأميركية في المنظمة الأممية 2004-2005 ـــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"