بقدر ما هناك من إحباط وظلمات في عالم العرب، بقدر ما يكبر الأمل العظيم بولادة الإنسان الجديد من خلال العلم؛ ففي سويسرا تم الإعلان عن التجربة الأعظم في تاريخ البشرية حتى الآن لمعرفة أمرين: متى بدأ الكون؟ ومم يتألف الكون؟ ومن جامعة "مك جيل" في مونتريال، يعلن فريق من البيولوجيين عن قلب لمفهوم الذاكرة والجينات، فالذكريات تنطبع على الجينات وتنتقل للأجيال اللاحقة، وهو علم جديد يأخذ اسم (Epigenetic). ومن جامعة "فيسكونسين" في ماديسون، يتم التوصل إلى قدرة الشفاء في الجوع من خلال تجارب أجريت على القرود طيلة سبعة عشر عاماً، وهو ضوء جديد على مغزى الصوم عند أهل الأديان. أما من جامعة "بوسطن" فيتم الإعلان عن البدء بتصنيع وإنتاج أعضاء من قلب وكبد وكلية بالاعتماد على هندسة الأنسجة بطريقة تبديل الخلايا. حيث يتم غسل قلب الجرذ والخنزير عبر الأوعية الدموية بمادة كاوية تفجر الخلايا جميعا فلا يبق إلا السقالة من بروتينات) وكاربوهيدرات وأنابيب هي مخلفات الأوعية، ثم يؤتى بخلايا جذعية فتحقن في الأنابيب فتلتصق بالسقالة وتنمو لتشكل عضواً جديداً حسب الطلب. أما أعظم التجارب قاطبة فهي تجربة وكالة CERN بواسطة جهاز ALICE لإعادة تمثيل الانفجار العظيم على وجه الأرض، لكن في نفق المسرع الأعظم (صادم الهدرونات الأعظم Large Hadrons Collider) حيث يتم دفع حزم من البروتونات في اتجاه واحد في نفق طوله 27 كم حفر في جبال (اليورا) بين فرنسا وسويسرا بكلفة 3 مليارات يورو. يتم بالأول دفع شعاع من البروتونات بضربة كهرباء لتمر خلال أنبوب من البريليوم بوجود وشائع مغناطيسية في خاصرة الشعاع بمقدار عشرة آلاف حقل مغناطيسي تراقب من 150 ألف عداد. ولأن تردد الحزمة سيتم بمقدار 11200 مرة في الثانية الواحدة بحيث ترفع الطاقة تدريجياً بواسطة أمواج راديوية، فإن درجة الحرارة ستصل إلى المستوى الذي بدأ به الوجود رحلته أي 2 بليون درجة مما يذيب الأرض فكانت "كثيباً مهيلا" محولة المادة إلى حساء كوني من الكوارك والجلون. تلك الحرارة المخيفة ضمن الأنبوب، والتي يتكسر عند عتبتها كل خيال، سيتم احتواؤها بالهواء السائل في درجة حرارة 271 تحت الصفر. وبين الحرارة المخيفة والبرودة الفائقة تمر الكهرباء بدون مقاومة ويمر الشعاع البروتوني في طريقه يتبعه حزام آخر حتى يصل الرقم إلى 2808 احزمة، وفي كل هذه المراحل هناك 18 ألف جهاز قياس للحرارة خوفاً من انفلات هذه الطاقة في غير مسارها. وبعد هذا السباق الجبار وتتابع الحزم، سيتم دفع الشعاع في أربع حجرات مغلقة وهي غرف العمليات الفيزيائية حيث سيتم ضرب الشعاع البروتوني بنظيره وجهاً لوجه، ومعها ستتفتت الذرة وتطلق الجسيمات دون الذرية ومعها الطاقة المحتبسة، فالجزيئات دون المادية هي 24 على الأقل، وهي متراصة في قسمين منها المادة ومنها تلك التي تتبادل الطاقة... وهي لعبة معقدة تزداد غموضاً مع الوقت بجزيء "الهيجز" الذي حضر صاحبه الاسكتلندي الذي تنبأ به قبل 40 عاماً، أتى ليشهد مولد ابنه الفيزيائي. ومن هذا التصادم، والذي لا يقل عن 600 مليون في الثانية الواحدة، تتم دراسة ناتج الصدم البروتوني، وهو من معلومات وأسرار المادة مما تعجز عنه كمبيوترات الأرض جميعاً، ومعها كل مكتبات العالم، لدراسة ناتج عمليات ثانية واحدة، وهنا التحدي الأعظم! ولخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس... وفي هذه الأماكن سيتم التعرف على أمور في غاية الغموض والغرابة، مثل "الثقوب السوداء" و"مضاد المادة" و"المادة المعتمة" في الكون، والتي تمسك السموات والأرض أن تزولا. إنني حين أقرأ هذه الأبحاث وأرى ما يحدث عندنا، يعتريني شعور الفناء والموت.