استند التجّار في رفع أسعار المواد الغذائية، خلال الفترة الماضية، في الدولة إلى أسباب عدّة، منها الارتفاع الكبير في أسعار هذه المواد على الساحة الدولية، خاصة الحبوب مثل القمح والأرز وغيرهما، وارتفاع أسعار الوقود مع ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير حتّى إنه تجاوز في بعض الأحيان حاجز الـ140 دولاراً للبرميل، إضافة إلى امتناع بعض الدول عن تصدير بعض سلعها الاستهلاكية إلى السوق الإماراتي لمواجهة احتياجات السوق المحلّي عندها، مثل مصر والهند، بالنسبة إلى صادرات الأرز. وفي ضوء ذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوقنا المحلّي ووصلت إلى معدّلات كبيرة، وكانت الحجّة أن هذا هو حال العالم كله وليس حالنا نحن فقط، وأن ارتفاع أسعار الوقود زاد من التكلفة بشكل كبير، وهذا ما تكرّس بشكل خطر منذ بداية شهر رمضان المبارك، استغلالاً من قبل التجّار لحركة الاستهلاك الكبيرة واندفاع الناس إلى شراء السلع الغذائية وتخزينها بصورة غريبة. لكن المفارقة هنا أن الأسعار ما زالت تأخذ طريقها الصاعد إلى أعلى دون كابح، على الرغم من أن أسباب الارتفاع قد زالت أو تراجعت بشكل كبير. فقد سجّلت الأسواق العالمية، خلال الفترة الماضية، تراجعاً ملحوظاً في أسعار المواد الغذائية الأوليّة، مثل القمح والأرز وزيت النخيل وغيرها من المواد الأولية الأخرى، وتراجعت أسعار الديزل بنسبة 15%، وفقاً لتقديرات مسؤول في وزارة الاقتصاد الإماراتية، نقلت تصريحاته، مؤخراً، صحف محلية، كما تراجعت أسعار الطاقة بشكل ملحوظ على الساحة الدولية بعد الانخفاض في أسعار النفط. إضافة إلى ذلك فإن بعض الدول التي كانت قد جمّدت صادراتها من الأرز إلى الإمارات بدأت في الاتجاه إلى إعادة التصدير مرة أخرى، مثل مصر على سبيل المثال. هذه التغيّرات لم تدفع الأسعار إلى التراجع في السوق المحلّي، وهذا يعني أن بعض التجّار قد استغلّوا بعض الظروف لرفع الأسعار والمضي قدماً في ذلك من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح دون أي محاولة لمراجعة خط الأسعار الصاعد، ومن هنا تأتي أهمية الدعوة التي وجّهها إليهم مدير "جمعية الإمارات لحماية المستهلك"، جمال السعيدي "بخفض أسعار السلع والبضائع بنسب مماثلة للانخفاض في أسعار الديزل، بحكم أن السلع تحمل الزيادة في أسعار الوقود". لا شكّ في أن التجّار يستغلّون إقبال الناس على الشراء بقوة في شهر رمضان من أجل الاستمرار في رفع الأسعار، لكن ما يساعدهم على ذلك بصورة أكبر هو غياب الوعي الاستهلاكي لدى المستهلكين واستسلامهم لما يمليه عليهم السوق من ناحية وعدم وجود رادع قوي لهم من ناحية أخرى، لذلك فإنه ليس من الغريب أن نرى سلعاً غذائية يرتفع سعرها بمعدّلات قياسية في وقت قصير جداً دون أن يكون هناك سبب اقتصادي مقنع يفسّر هذا الارتفاع أو يبرّره. أسعار السلع المختلفة بما فيها السلع الغذائية ترتفع وتنخفض وفقاً لمعطيات اقتصادية، داخلية وخارجية، إلا أن بعض التجّار في السوق المحلّي ليس في قاموسهم أي كلام عن انخفاض السعر مهما تغيّرت المعطيات وتبدّلت الأحوال والمتغيّرات. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية