يبدو أن مسلسل الأزمات السياسية في الوطن العربي سوف يستمر إلى الأبد... فما أن نحاول حل مشكلة عربية حتى تبرز أخرى مما يدل على أننا لن ننعم بالأمن والاستقرار مثل بقية الشعوب والأمم الأخرى. كل المؤشرات تشير إلى بروز أزمة جديدة في العراق، فالرئيس السوري بشار الأسد وصف الوضع في العراق بأنه سجل بعض التحسن لكنه أكد أن ثمة مواضيع لم تحل بعد أبرزها قضية كركوك وقضية الفدرالية، واعتبر قضية كركوك قنبلة قد تفجر الوضع بين العرب والأكراد. رئيس الوزراء العراقي نفسه نوري المالكي دعا إلى اجتماع عاجل للمجلس السياسي للأمن الوطني، والذي يضم أعضاء الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان) وممثلي الكتل السياسية البرلمانية، إلى اجتماع يوم السبت 6 سبتمبر 2008 لمناقشة قضية خانقين وبحث الخلاف القائم بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان حول تواجد القوات الأمنية العراقية في محافظة ديالي لملاحقة المسلحين إلى خانقين، ويعتبر الأكراد قرتبة وجلولا وخانقين تابعة لمحافظة ديالي وتعد من المناطق المختلطة سكانياً حيث يقطنها عرب وتركمان وأكراد. التساؤل هنا: لماذا عاد التوتر والتأزم بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان شبه المستقل؟ لقد تعاطف العرب في العراق وفي الوطن العربي ككل، مع الأكراد خصوصاً بعد ما حصل لهم من ظلم واضطهاد وقتل في عهد صدام حسين، كما لم يعترض العراقيون العرب على الحكم الذاتي للأكراد. إذن لماذا عاد التأزمم بين الطرفين حول حدود إقليم كردستان وتواجد الجيش العراقي في بعض المناطق الكردية. الإشكالية التي يواجهها الأكراد اليوم في العراق تكمن في طموحهم القومي إلى إقامة دولة كردية خاصة بهم تمهيداً لتحقيق دولة كردستان الكبرى، وهو حلم الأكراد في المنطقة. اليوم بعد شبه استقلال إقليم كردستان وتدفق الاستثمارات الأجنبية على مناطقهم المستقرة... عادت المفاهيم القومية الكردية القديمة مرة أخرى، فالأكراد الذين دعموا "حزب العمال الكردستاني" الذي يحارب تركيا من أراضيهم، نراهم اليوم يرفضون تواجد الجيش العراقي في مناطقهم، فهم لا يريدون رفع العلم العراقي فيها، كما عادوا إلى مطالبهم القديمة بضم مدينة كركوك، وربما يطالبون بضم الموصل أيضاً إلى إقليم كردستان، فلماذا التمادي في المطالب الآن؟ ومن هو المسؤول عن هذه الإشكالية الجديدة؟ المسؤول الأول عن ما يحدث في شمال العراق هو الحكومة العراقية والأحزاب الشيعية ومنها حزب رئيس الوزراء (حزب الدعوة) بتحالفهم مع الكتل السياسية والقيادات الكردية وإعطائهم امتيازات كثيرة على حساب العرب. فمثلاً قام الأكراد بتطبيق الفدرالية دون سائر الأقاليم الأخرى ودون موافقة الحكومة المركزية، كذلك رفضوا رفع العلم العراقي، وفرضوا مطلبا بـ17? من حصة الميزانية رغم أنهم لا يشكلون أكثر من 12? من سكان العراق، وفرضوا تأشيرة سفر على المواطنين العراقيين، وعقدوا اتفاقيات نفطية مع الخارج دون الرجوع للحكومة المركزية... المشكلة أنه لا يوجد سياسيون ولا مثقفون أكراد يشعرون بعراقيتهم أكثر من كرديتهم. المطلوب من العقلاء في العراق والوطن العربي العمل بجد على تحقيق المصالحة والوحدة بين أبناء الوطن الواحد، فالأكراد جزء لا يتجزأ من العراق، ومن حقهم أن يكون لهم إقليم مستقل، لكن من خلال الدولة العراقية، إذ ليس من مصلحة أحد تقسيم العراق أو انقسامه. د. شملان يوسف العيسى