ما أن تصورنا أننا قد عرفنا مَن يكون السيناتور جون ماكين، حتى رمانا بمفاجأة أخرى باختياره لسارة بالين، حاكمة ولاية آلاسكا، مرشحة معه عن منصب نائب الرئيس، وهو بالكاد يعرفها. وبصفته "ديمقراطياً" سابقاً، خاطب "جو ليبرمان" مؤتمر الحزب "الجمهوري" يوم الثلاثاء الماضي قائلاً للحاضرين: "إن الجميع يعرف سجل جون ماكين الذي يحكي عن استقلالية مواقفه. فهو فريد ولم يخلق في هذه الأرض سوى جون ماكين واحد ليس غيره". غير أن هناك من يعتقد أن من الطيش أن يمنح هذا الرجل البالغ من العمر 72 عاماً، منصب نائب رئيس دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية لشخصية بكل هذا الافتقار للخبرة القومية مثل مرشحته سارة بالين. ورداً على ذلك تزعم حملة جون ماكين أن هذا الاختيار بحد ذاته يعد تأكيداً على استقلالية مرشحها الرئاسي. وأنا أيضاً أرى أنه ليس علينا أن نقسو كل هذه القسوة على بالين. فهي مثله لا تقل استقلالاً في مواقفها، كما أن هناك الكثير جداً من المعلومات عنها مما لا يزال خافياً ومجهولاً. ولكن من منا ما زال يميز بين الأمور أصلاً؟ فالسياسة مملة على أي حال... أليس كذلك يا أصدقائي؟ وبطبيعة الحال سيقول لك "الديمقراطيون" أن تفتح عينيك جيداً لترى مواقفهم الحزبية وخطط الإصلاحات المالية والاستخبارية التي لا نهاية لها... إلى آخره. ولكن ليس عليك أن تأبه كثيراً لما يقوله هؤلاء السفسطائيون النخبويون. وبدلاً من خططهم المملة هذه، فربما كان أهون عليك وأكثر إمتاعاً أن تتابع تفاني سارة بالين في وقوفها وراء قرار ابنتها القاصر بريستول بأن تحبل وتصبح أمّاً وهي لم تزل بعد في سن السابعة عشرة. وليس عليك أن تجهد نفسك كثيراً بمعرفة التفاصيل المملة عن سجل سارة بالين نفسها في اقتطاع الاعتمادات المالية لبعض البرامج، وتوجيهها لدعم الأمهات القصّر في ولايتها، أو حتى تلك المتعلقة بمعارضتها القوية وشديدة المحافظة للإجهاض، حتى في الحالات التي ينشأ فيها الحمل عن الاغتصاب والإكراه. ثم إنه ليس صحيحاً القول بخلو سارة بالين من أي خبرة في مجال السياسات الخارجية. ذلك أن هناك ما يشير في خبرتها السياسية إلى مغازلتها كثيراً لفكرة تحويل آلاسكا إلى دولة أجنبية لا صلة لها بالولايات المتحدة الأميركية. وبدلاً من الإصرار على اتهامها بنقص الخبرة في هذا المجال، فإن عليك أن تتساءل أولاً: كم من نواب الرئيس في أميركا قادرون أصلاً على إضافة خبرة كهذه إلى سيرتهم الذاتية؟ فعلى امتداد السنين واظبت سارة بالين على دعمها لـ"حزب استقلال آلاسكا" الذي يعرف اختصاراً باسم AIP وهو الحزب المنادي بانفصال ولاية آلاسكا عن بقية أميركا. ثم إياك أن تحسب أنه سيكون انفصالاً وديّاً عن الوطن الأم. ليس أبلغ في التعبير عن هذا مما قاله مؤسس الحزب "جو فولجر" في لقاء صحفي أجري معه عام 1991: "إن نيران الجحيم نفسها لأبرد على قلبي برودة الثلج والصقيع، من مدى كراهيتي لحكومة الولايات المتحدة الأميركية. ولقد قطعت على نفسي عهداً بألا أوارى الثرى تحت عَلَمها اللعين البغيض". وبالمقارنة فإن في وسع القس جيرمياه رايت -الذي تبرأ منه باراك أوباما بسبب تعبيره عن كراهيته لأميركا- أن يتعلم الكثير من دروس الكراهية مما قاله "فولجر". غير أن حملة السيناتور جون ماكين لا تزال تواصل إنكارها انضمام المرشحة سارة بالين إلى "حزب استقلال آلاسكا" يوماً ما. وفي حين نشبت المغالطات حول ما إذا كانت قد حضرت مؤتمر ذلك الحزب لعام 1994، فإنه لا جدال حول حضورها لمؤتمر الحزب نفسه لعام 2000 إلى جانب مخاطبتها لمؤتمريْه اللذين عقدا في عامي 2006 و2008. أما زوجها "تود" فهو عضو مسجل في الحزب طوال السنوات الممتدة بين 1995- 2002 في حين تعتبر قيادة الحزب سارة بالين عضواً منها. فقد تكشفت تسجيلات شريط فيديو لديكستر كلارك نائب رئيس "حزب استقلال آلاسكا" وصف فيها سارة بالين في "المؤتمر الانفصالي لشمال أميركا" المنعقد عام 2007، بأنها عضو في الحزب حتى قبل توليها لمنصب عمدة ضاحية واسيلا. ومن المعلوم عن هذا المنصب أنه غير حزبي. إلا أنه تعين عليها أن تركب موجة الحزب "الجمهوري" فانضمت إليه في نهاية الأمر، على رغم المعضلات الأخلاقية الكبيرة التي تواجهها داخل معسكر "الجمهوريين". ولست هنا بصدد الانغماس في ذكر هذه التفاصيل. ولعل هذا ما دعا السيد كلارك إلى حث أعضاء حزبه الانفصالي على "اختراق" صفوف الحزبين الرئيسيين، وفي ذهنه بالطبع سارة بالين. وبعد، فما الذي تفكر فيه سارة بالين الآن بخصوص علاقتها السابقة بحزب آلاسكا الانفصالي المذكور؟ يصعب التكهن هنا بالطبع. غير أن المؤكد أنها خاطبت أعضاء الحزب نفسه هذا العام بقولها: إنني سعيدة بالترحيب بكم في مؤتمر حزب استقلال آلاسكا لعام 2008 وأدعوكم إلى مواصلة عملكم المقدر! فهل مما يضايقك عزيزي القارئ أن ترى شخصية ذات ميول انفصالية وهي تشق طريقها حثيثاً نحو البيت الأبيض؟ وهل يثور قلقك من أن تشاطر سارة بالين -نائبة الرئيس- فولجر مؤسس الحزب الانفصالي، مشاعر كراهيته الملتهبة للحكومة الأميركية؟ أرجو أن تهدأ قليلاً لأن وصول بالين إلى منصب نائب الرئيس سيجعلها أكثر فعالية في الالتقاء بالكثير من القادة الدوليين الذين يشاطرونها كراهية مماثلة لحكومة بلادنا. وعلى رغم تعهد جون ماكين المتكرر بأن يجعل من إدارته إدارة "مستقلة" بحق... إلا أنه لم يخطر بأذهاننا مطلقاً أنها ستكون بكل هذا القدر من "الاستقلال"! روزا بروكس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذة بمركز القانون بجامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"