تقدم أحد أساتذة القانون بالجامعة العبرية في القدس، وهو البروفيسور "ديفيد كرتيسمر"، بطلب إلى المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية مناحيم مزوز، للتحقيق في ارتكاب وزير النقل الحالي الجنرال شاؤول موفاز جرائم حرب ضد أبناء الشعب الفلسطيني خلال شغله منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أثناء انتفاضة الأقصى. إن الدافع الذي حدا بأستاذ القانون لتقديم طلبه لا يتصل أساساً بانتهاكات القوانين الدولية وحقوق الإنسان، بقدر ما يتعلق بقلق البروفيسور على مستقبل الاستقرار السياسي في إسرائيل ورسوخ منصب رئيس الوزراء في الفترة المقبلة. لقد شعر البروفيسور بالقلق عندما علم أن الجنرال موفاز قدم أوراق ترشيحه لمنصب زعيم حزب "كاديما"، وهو المنصب الذي سيشغل صاحبه منصب رئيس الوزراء بعد استقالة أولمرت منه تحت ضغط التحقيقات التي تجريها معه الشرطة حول تورطه في قضايا فساد. إذن المسألة بالنسبة لمن أثاروها في إسرائيل منصبة على القلق من تعرض موفاز بعد شغله المنصب لتحقيقات تؤثر على أدائه كرئيس للوزراء وتزعزع استقرار الدولة والحكم. مما يؤكد هذا الفهم أن الاتهامات المحيطة بالجنرال شاؤول موفاز ترجع إلى سبع سنوات أي إلى عام 2001 وأن صحيفة "هآرتس" قد نشرت عنها بقلم مراسلها العسكري أمير أورسون في حينها، ولم يهتم أحد في إسرائيل بالتحقيق فيها، وذلك ببساطة لأن الأمر لم يكن يمس مصالح إسرائيلية في ذلك الوقت. لقد كتب "أورسون" تقريراً كشف فيه أن رئيس الأركان الجنرال موفاز طلب من كبار الضباط المسؤولين عن المناطق السبع الأمنية المقسمة من جانب جيش الاحتلال أن يعملوا على قمع انتفاضة الأقصى، وأن تكون وسيلتهم إلى ذلك تقديم حصة يومية من القتلى الفلسطينيين عن كل منطقة بمعدل عشرة قتلى يومياً وبمجموع سبعين قتيلاً يومياً في الضفة الغربية. إن هذا الأمر العسكري المنطوي على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة عنصرية لا يبدو غريباً بالنسبة لي كمراقب للسلوك الإسرائيلي تجاه العرب. إنه سلوك يتفق تمام الاتفاق مع الرؤية الحاكمة لعديدين من رؤساء الأركان الإسرائيليين في تعاملهم مع العرب سواء كانوا مدنيين يتعرضون لإطلاق النار عمداً مع سبق الإصرار والترصد، أم كانوا أسرى حرب ألقوا سلاحهم ورفعوا أيديهم وسلموا أنفسهم للقوات الإسرائيلية كما هو مشهور في حرب 1956 وحرب 1967، حيث تعرض الأسرى للقتل الجماعي بأوامر رؤساء الأركان. السابقة المطابقة لأوامر موفاز حدثت في الضفة الغربية أيضاً أيام كان الجنرال "رفائيل اتيان" رئيساً للأركان عام 1983، في ذلك العام انفجرت مظاهرات طلابية خرجت من المدارس الفلسطينية الثانوية بالضفة وكان الطلاب يتظاهرون احتجاجاً على قيام عناصر إسرائيلية بدس عبوات من السموم الغازية في مدارس البنات العربيات بهدف إصابتهن بالعقم والعجز عن الإنجاب. خلال المظاهرات اتصل أحد ضباط الاحتلال المتمركزين في الضفة برئيس الأركان ليسأله ماذا أفعل سيدي إن الطلاب يلقون علينا الحجارة؟ وجاءت إجابة إتيان "... اجعلوهم نساء". وهي الإجابة التي اعتبرت أمراً عسكرياً بالتنكيل وإطلاق النار الحية بين السيقان في مناطق حساسة. بعد أسابيع قليلة عقدت جلسة للجنة الشؤون الخارجية والأمن بالكنيست لتوديع الجنرال "اتيان" لانتهاء مدة شغله للمنصب، فسأله "يوسي ساريد" عضو الكنيست عن صحة الأمر الذي أصدره ونشرته الصحف، فأجاب في فخر نعم لقد أصدرت الأمر، ولن يستطيع العرب سوى أن ينحشروا في زجاجة كالحشرات السامة ليأكلوا بعضهم بعضاً. إن وحدة الرؤية بين رؤساء الأركان تنبع من معين أيديولوجي عسكري واحد لا يرى غضاضة في معاملة العرب على أنهم حيوانات قابلة للقتل والصيد دون أي حساب قانوني.