تشكّل برامج "التأهيل الوظيفي" للعاملين في القطاعات الاقتصادية المختلفة أداة مهمّة ووسيلة فاعلة في إعداد الكفاءات والطاقات البشرية وإمدادها بما تحتاج إليه من مهارات ومؤهلات وإمكانات لأداء مهامها بطريقة أفضل وبصورة أكمل. ولا شك في أن التطوّر المستمرّ في قطاعات الاقتصاد الوطني والتقدّم المطّرد الذي يتمّ بتسارع ملحوظ في المجالات كافة يوجد تحديات جديدة للمنشآت وإداراتها والعاملين فيها، تتطلّب منهم اللحاق بركب التغيّر الذي يحدث بوتيرة متسارعة، حيث إن أساليب الإدارة وهياكل الإنتاج والعناصر المتّصلة بمعايير الجودة والكفاءة والسلامة وغيرها من العناصر المتعلّقة بالمنشأة والمنتج تخضع جميعها لتحديث مستمرّ وتطوّر مطّرد يستلزم جهوداً إضافية موازية ومواكبة لهذا التطوّر من قِبل الجهات ذات الصلة، حتى لا تحدث فجوة بين مستوى المنتجات والخدمات التي تسعى المنشآت إلى تقديمها وبين مستوى الكفاءة والتأهيل لدى منتجي هذه السلع ومقدمي هذه الخدمات، جرّاء نقص التدريب ونتيجة التقصير في تحديث معلومات العاملين ومهاراتهم بما يتناسب مع المتغيّرات العصرية والمتطلّبات الحالية، إن كفاءة المؤسّسة تتأثر بشكل مباشر بكفاءة القدرات البشرية العاملة فيها، ما يقتضي تزويد العاملين بصورة وافية عن أحدث المستجدات والتطويرات الحادثة في سوق العمل، وعلى المستويين الاجتماعي والاقتصادي بغية تعزيز وعيهم بتحديات الحياة العملية الراهنة. ويصبح من الضروري أن تحرص الجهات والهيئات المعنيّة على دراسة ومناقشة الفوارق الكمية والنوعية بين المؤهّلات التي توفّرها أنظمة التعليم والتدريب وبين متطلبات سوق العمل؛ بما يمكّنها من تحديد الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمعالجة أوجه النقص وعدم التوافق، كما يلزم القيام بتحليل جوهري معمّق لاحتياجات الفئات المختلفة من الموارد البشرية في مؤسّسات القطاعين العام والخاص، وإتباع ذلك بتنفيذ دورات وبرامج تدريبية تلائم تلك الاحتياجات. وفي هذا الإطار تبرز أهمية "برنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية" الذي يهدف إلى ضمّ طاقات العمل لدى الشباب المواطن في دولة الإمارات العربية المتحدة، مع تمثيل واسع في القطاع الخاص، بما يضمن نمو الاقتصاد الوطني، فضلاً عن تقديم المبادرات والحوافز الفاعلة التي تشجع المسؤولين في القطاع الخاصّ في دولة الإمارات على الاستثمار في برامج دعم وتدريب وتأهيل تتيح لهم استيعاب مواطني الإمارات في صفوف قواهم العاملة، والاحتفاظ بهم وضمان التزام طويل الأمد من قبلهم. وفي سياق الحديث عن تأهيل القوى البشرية فإنه يمكن الإشارة لأحد أحدث النماذج لهذه الجهود مثل الخطة التي بدأ ينفّذها "جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية"، حيث يعمل على تأهيل نحو 25% من العاملين في 6500 منشأة غذائية وألف مطعم في الإمارة، على أن يتمّ الانتهاء من تأهيل جميع العاملين في هذه المنشآت خلال السنوات الخمس المقبلة، ويشتمل برنامج التدريب على الأساسيات المطلوبة لتوعية المتعاملين بالأغذية وتثقيفهم، والأساسيات المتعلّقة بالصحة وسلامة الغذاء بما يمنع المخاطر ويحمي المستهلك في هذا القطاع الذي يعدّ من القطاعات البارزة التي لها أثر كبير في جانبين يعتبران غاية في الأهمية، فهو من جانب يتّصل بشكل مباشر بالسلامة الغذائية للمواطنين والمقيمين، كما أنه يعتبر ذا تأثير كبير على القطاع السياحي الذي يعدّ مورداً اقتصادياً تزداد أهميته باستمرار، ولاسيّما في ظلّ الجهود المبذولة لتنويع قاعدة الموارد الاقتصادية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية