عندما زار الرئيس الإيراني الحالي دولة الإمارات العربية المتحدة في مايو 2008 استبشرنا خيراً، وذكرنا في حينها بأن الزيارة كانت ستشكل بداية لانفراج في العلاقات المتوترة بيننا وبين إيران، لكن ذلك الاستبشار ثبت أنه في غير محله، ولم تشهد العلاقات تحسناً، بل وعلى ضوء ما أقدمت عليه إيران من إنشاء مكتبين حكوميين في جزيرة أبوموسى المحتلة أحدهما للإنقاذ البحري والآخر لتسجيل السفن والملاحين، فإن العلاقات قد تشهد مستقبلاً المزيد من الاحتقان والتدهور. ما تقوم به إيران في "أبوموسى" المحتلة منذ أن دخلتها قواتها المسلحة عام 1971 هو سلسلة من الخروقات الصارخة للترتيبات التي أرستها مذكرة التفاهم المعقودة بينها وبين دولة الإمارات، ومخالفات فعلية متعمدة لقواعد القانون الدولي، الأمر الذي يعني أنها أصبحت تحت المساءلة القانونية الدولية، ولكن بالتأكيد أن إيران لن تعترف بذلك ولن تجهر للعالم بأنها انتهكت أحكام القانون الدولي؛ لأنها تعلم أن موقفها القانوني ضعيف جداً. وهذا يدعو إلى التساؤل عن الأهداف التي تتوخاها إيران من وراء التصعيد الأخير بإنشاء المكتبين، فلماذا تحاول تصعيد الموضوع بهذا الشكل؟ ولماذا جاء التصعيد في هذا التوقيت بالذات؟ وما هي الأهداف التي تريد تحقيقها؟ يوجد تفسيران عريضان لذلك، أحدهما سياسي والآخر اقتصادي، ولن نستطيع هنا تغطية الجانبين معاً، وسنكتفي بالحديث عن الجانب السياسي الذي يصب في خانة بحث إيران لنفسها عن دور إقليمي ونفوذ على صعيد الخليج العربي والعالم العربي ونظام "الشرق الأوسط الجديد". وبالتأكيد أننا لا نستطيع التطرق لتلك العناصر كافة، وسنحاول فهم التصرفات الإيرانية في إطارها المتعلق بسياسة إيران الخارجية تجاه الولايات المتحدة الأميركية ومصالحها في المنطقة. ويعود السبب في ذلك إلى أن ما تقوم به إيران من إجراءات استفزازية تجاه دولة الإمارات في "أبوموسى"، لا يمكن أن يحدث في فراغ، وبمعزل عن الأطر الشاملة لسياسة إيران الخارجية وعلاقاتها الدولية وأوضاعها الاقتصادية والسياسية الداخلية. الإيرانيون يقومون بإرسال إشارات مختلفة حول نواياهم وتوجهاتهم بعضها يشير إلى أنهم على استعداد للتخلي عن الممارسات المتطرفة التي من شأنها زيادة العزلة الإيرانية عن المحيط الدولي، وبعضها الآخر يشير إلى المزيد من التطرف خاصة فيما يخص علاقاتها مع جيرانها الخليجيين وبرنامج تسلحها النووي وتضخيم ترسانتها العسكرية. وفي سياق ذلك، تعكس إثارة إيران لقضية "أبوموسى" بحدة، بين فترة وأخرى، رغبتها في استعادة دورها الإقليمي الذي لعبته في عهد الشاه السابق بدعم أميركي، فهي تنظر لذاتها على أنها أهم دول المنطقة استراتيجياً وعسكرياً واقتصادياً وبشرياً، الأمر الذي يعكس نمطاً من التفكير الذي يجانب معطيات الوقت الراهن، فهذه العناصر ليست دائماً دليل قوة. في هذه المرحلة، تبدو مواقف دولة الإمارات وإيران مختلفة عن بعضها بعضاً، وتقفان على طرفي نقيض حول قضية جزر الإمارات المحتلة. فيتلخص الموقف الإيراني في أن الجزر الثلاث إيرانية، وأن السيادة الإيرانية عليها ليست مطروحة للنقاش مطلقاً. في حين أن دولة الإمارات ترى أن ملكية الجزر والسيادة عليها عائدة إليها جملة وتفصيلاً ولديها من الوثائق التاريخية والمستندات القانونية ما يثبت ذلك، وتنظر إلى الجزر الثلاث على أنها محتلة احتلالاً عسكرياً كاملاً، وتسعى إلى إنهاء هذا الاحتلال بالوسائل السلمية، وتتمسك ببنود الترتيبات التي وردت في مذكرة التفاهم لعام 1971 حول "أبوموسى"، مع الاقتناع التام والتأكيد المطلق أنها جزء لا يتجزأ من أراضي دولة الإمارات. يتضح من الموقف الإيراني المتشدد أنها تتجه إلى الاستيلاء الكامل على جزيرة أبوموسى. وتصرف من هذا القبيل غير شرعي وغير قانوني، فترتيبات مذكرة التفاهم لا تحتوي على أي بنود تمنح إيران الحق في ذلك، وتركت المسألة للحسم مستقبلاً، وضمنت حقوقاً واضحة لدولة الإمارات في الجزيرة. وهناك ما يؤكد قبول إيران بتلك الترتيبات بشكل رسمي وموثّق، وهذا يدل على أن دولة الإمارات حافظت ولا تزال تحافظ على حقها الكامل في استعادة الجزر الثلاث كاملة، وتسعى جاهدة بجميع الوسائل السلمية إلى عودة سيادتها عليها. دولة الإمارات حكومة وشعباً يطالبون بشكل محدد بإنهاء الاحتلال العسكري الإيراني للجزر الثلاث، وبتأكيد التزام إيران بالترتيبات الواردة في مذكرة التفاهم، وبعدم تدخل إيران في ممارسة دولة الإمارات لولايتها الكاملة على "أبوموسى"، وإلغاء التدابير والإجراءات كافة التي تتخذها فيها، وبإيجاد إطار ملائم لحسم المسألة سلمياً وقانونياً خلال فترة زمنية محددة، إما عن طريق التفاوض المباشر أو بالعرض على محكمة العدل الدولية. ظروف المنطقة الحرجة وما تواجهه إيران من عزلة وأزمات مع المجتمع الدولي تحتم عليها الاستجابة لتلك المطالب إن أرادت تحقيق مصالحها الإقليمية بالطرق السلمية، فهل من مستجيب؟