ها هو الأسبوع الأول من رمضان يودعنا، ونحن نلمس أهمية الدين في حياتنا؛ فالمساجد امتلأت بالناس، منهم العاكف على كتاب ربنا يتلوه بعد قطيعة كي يجدد إيمانه، ومنهم الراكع الساجد الناشد القرب من خالقه بعد جفوة أدت إلى قسوة في القلب لا يحركها إلا دموع السجود، تلك التي تمطر القلوب التي وصفها ربنا بأنها كالحجارة أو أشد قسوة... ولكن ما دام الإنسان يتنفس فإن ربه قريب منه يناديه: "ألم يئن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق". هذا النداء الذي يلبيه الناس في أطراف الأرض هاتفين: لبيك ربنا. ففي رمضان الروح لها موقع من الإعراب في حياتنا، وهنا سؤال يطرح نفسه: ماذا يريد منا الدين؟ وهنا إجابات متعددة حسب فهم الناس للدين والتدين، وهنا اجتهاد من كاتب المقال أحسب أنه يستحق التفكر والتدبر. الإسلام ليس كغيره من الديانات، ليس فيه طلاسم يتعذر فهمها على غير النخبة الدينية، فهو دين فهمه الإعرابي الأمي في الصحراء، وأدركه العلماء في أرقى الجامعات، وإذا كان الإسلام يتميز بالبساطة فماذا يريد منا هذا الدين؟ من أول ما يريده منا ديننا العلم، وقد يستغرب البعض من هذا الطرح، والجواب هو في أول آية أنزلها الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وسلم)، هذه الآية التي حولت العرب من أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب وبالكاد كان لها أثر في الحضارة الإنسانية إلى أمة قادت الدنيا ردحاً من الزمن، وبنت حضارة استفاد منها الكون وما يزال، أول آية في القرآن الكريم لم تدعُ إلى التوحيد أو الصلاة أو الصيام وإنما كانت دعوة للقراءة باعتبارها مفتاح العلم: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق"، آية لو طبقها كل مسلم لما رأينا ما نشاهده اليوم في أمة الإسلام. وقال تعالى في موضع آخر: "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك". نعم، فالعلم قبل العمل، كما قال البخاري (رحمه الله تعالى). عدد كبير من المسلمين اليوم يعبدون الله تعالى وهم على خطأ؛ لأنهم يعبدونه دون علم، والخطأ في العبادة خطر على المتعبد وقد يصل به إلى الانحراف الذي يؤدي إلى عكس ما شرعت له العبادة. دعوني أسق لكم مثالاً نشاهده في رمضان، عندما نذهب إلى بعض المؤسسات لقضاء مصلحة ما، تجد المسلمين الصائمين كسالى لا يكادون ينجزون المطلوب منهم، طبعاً دون تعميم، فهناك من أجاد في عمله كما نجح في صيامه، من لم يفقه الصوم نظر إليه على أنه شهر للتعب بسبب العبادة وقد أخطأ. من يزور الجمعيات التعاونية في أول رمضان يجد كارثة إنسانية يعيشها المسلمون لجهلهم بمتطلبات الصيام، فهل الصوم يدعو إلى الإسراف أم إلى الاعتدال، مشاهد كثيرة سببها في تصوري الجهل بفقه الصوم، تجد بعض الناس في رمضان في غاية العصبية لأنهم صائمون، وكأنهم لا يعلمون قول الرسول (عليه الصلاة والسلام): "فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم"، بمعنى أن الصوم علّمني كيف أتحكم في أعصابي، ومن هنا أقول إن من أول ما يطلبه منا الدين هو العلم، أي عكس الجهل الذي تعيشه الأمة، والعلم مقدم في ديننا على أمور كثيرة. من الأمور التي يطلبها منا ديننا نفع الناس وخدمتهم، فكثير من المسلمين اليوم صالح في ذاته، لكنه لا يقدم للآخرين أمراً ذا فائدة. الإسلام جاء ليقول لنا إن الطاعة التي يتعدى نفعها إلى الآخرين هي أحب إلى الله تعالى من العبادة التي لا ينتفع بها إلا الإنسان نفسه. فأين من يبادر إلى الإنفاق وهو من العبادات التي تحتاجها الأمة اليوم أكثر من غيرها من العبادات، هناك مسلمون ينفق الواحد منهم آلاف الدراهم قد تصل إلى مائة ألف على عمرة رمضان، ولو اكتفى صاحبنا بالعمرة فقط فإن المبلغ قد لا يتجاوز خمسة آلاف، مقابل إنفاق المبلغ المتبقي لتخليص جيوش من فقراء الإنس من فقرهم. موقع آخر بحاجة إلى أن يتفكر فيه الناس من جديد كي نفهم هذا الدين العظيم.